19‏/07‏/2011

أذنــــــــــــــــــاب

أذناب.. قصة من جزئين سبق لي نشرها قبل عام تقريباً، أعيد نشرها اليوم كهدية لكل "القرفانين" من عملهم اليومي شاملاً ذلك مدراءهم و زملاءهم، وهدية للخريجين الجدد، المستجدين على بيئة العمل.. رين و الرصاصة...

...(1)...

اجتمعوا في الساحة أمام المبنى وهتفوا " لا لنقل أبو حسام"، اعتصموا ذلك اليوم ورفضوا دخول مكاتبهم،" القرار تعسّفي" صرخوا... رفضوا قرار الإدارة العليا بنقل مديرهم، كتبوا العرائض، تظلّموا، طالبوا بإلغاء القرار... أعادوا الكرّة في اليوم التالي واليوم الذي يليه... ولكنّ قرار الإدارة العليا كان نافذاً.

ذرفوا الدموع يوم الوداع، " ما مر علينا أحسن منك يا أبو حسام"، " راح نستفقدلك بس شو طالع بإيدينا". ركب سيارته ورحل وفي اليوم التالي وصل المدير الجديد.

كأي مدير يريد "أبو سند" أن يفرض سيطرته وهيبته من اليوم الأول، لذلك عقد اجتماعاً طارئاً منذ لحظة وصوله: " المهم عندي الالتزام، التزم بمكتبك ومهامك، لو سمحتوا ما حدا ينقل حكي عن الثاني، أنا لحالي بعرف الموظف اللي بيشتغل من اللي بايعها... ما راح أتهاون مع حد، ما فيه غياب بدون عذر، اللي بيغلط بيتحاسب، الكل تحت القانون حتى أنا..."

-" ماله هاظ عاصص على حاله هيك؟ "
-" خلّيه يا زلمة يحكي، مين اللي راح يرد عليه؟ طول عمرنا بنعمل اللي بدنا إياه وبس. "
-" هسه لو خلّولنا أبو حسام مش كان أحسن؟ "
-" اسكت واتركنا من سيرة أبو حسام من كثر ما كنّا نحبّه؟ "
-" مين حكالك إني بحبه، بس اتعوّدنا عليه وفهمنا كيف نعامله، هسه بدنا نبدا مع هاظا من جديد."

مرّت بضعة أسابيع وبدأت العقوبات تحلّق فوق رؤوس الموظفين، جلس عصام وعبدالله يتناقشان في الأوضاع الجديدة، فإذا بمحمد يدخل وعلامات الغضب واضحة على وجهه، "شفتوا هالمدير هالابن ال !!!!!!! خصم من راتبي وكلّه افترى وتبلّي".
-عصام:"حالي من حالك. "
-محمد:" طيب شو بدنا نعمل؟"
-عصام:"ولا شي بندخل عليه وبنتأسّف وما بنعيدها وسامحنا."
-محمد:"لا والله ما بعتذر، والله غير أشتكي عليه."
-عبدالله:" سيبك من هالحكي الفاضي، شو راح تعملك الشكوى؟ راح يحط حطاطك بزيادة، خلص اتأسفله وراح يلغيها."
-محمد:"يعني اتمسّح وأترجّى!"
-عصام:" يا زلمة الحياة كلها هيك بدها مداراة، والإيد الّي ما بتقدر تعضها بوسها "
-محمد:"أصلاً مش جايب أجلنا غير أشكالك وأشكاله، أنا غلطان اللي جيت وحكيت معاكو، سلام."

نظرا لبعضهما البعض وأغرقا في الضحك على محمد المسكين الذي لا يدرك أين تكمن مصلحته، وخرجا متوجهين صوب مكتب المدير، دقّا الباب ودخلا، وكان المدير يتحدث بالهاتف والسماعة على أذنه...

"أبو سند بدنا نحكي معك"
طيب اتفضّلوا - أبو رياض برجع بحكي معك بعدين" وأغلق سماعة الهاتف.

بدأ عصام وعبدالله بالترجّي وإلقاء عبارات الأسف والندم وتعهّدا أن لا يعيدا الكرّة فسامحهما المدير وخرجا من عنده سعيدين، عند الباب: " اتفضّلت علينا سيدي... اتفضّلت."
عصام:"شفت كيف انبسط واحنا بنمجّد فيه، شفت قدّيش كبر راسه وانتفخ؟"
عبدالله:"انسى المهم التغت العقوبة، بس كل ما بدنا نشوفه بدنا نسلّم ونأهل... الله يعينّا!"

بدأ عبدالله وعصام رحلة الألف ميل في كسب ثقة المدير الجديد، لم يكتفيا بتملقّ المدير بل تحوّلا بعد فترة لساعديه الأيمن والأيسر. من مكتب لمكتب وبأسلوب استخباراتي كلاسيكي كانا يوكِلان الشتائم للمدير ويغرقانه بالانتقادات، فإذا ما بدأ الموظفون بالاستجابة حفظوا كلامهم ونقلوه في ثوان للمدير. أصبحا في غضون أشهر منافسين جادّين لمراسلي الجزيرة وال سي ان ان، لم يغفلا عن حدث مهما كان صغيراً. ولم يخل الأمر طبعاً من انتقاد المدير القديم، "والله احنا محظوظين فيك يا ابوسند، والله ابو حسام ما قدر يعمل اللّي عملته"، "ابوحسام كان متسلّط" ".. كان مدير ضعيف ما عنده قرار.." وهكذا (كُلَّمَا جَاءَت أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا).

وعندما سُئِل عصام وعبدالله عن السبب الذي دفعهما لمثل هذه التصرّفات علّل عصام:" كل المدرا مريضين نفسياً، الواحد منهم ما بيشعر بقيمته إلاّ إذا دخلت عليه اترجّيته أو مدحته، والمصلحة بالنسبة إلنا متبادلة، هو بتتحسّن نفسيته وبشعر بقيمته وإحنا بترتقع أسهمنا عنده وبيعمللنا اللّي بدنا إيّاه، وزي ما قال المثل يا عزيزي ’نفّع واستنفع‘".

طبعاً لم يدم الحال طويلاً، فمع كثرة الشكاوى في حقّ أبو سند قرّرت الإدارة العليا نقله من دائرته عقاباً له، وتكرّر المشهد مرة أخرى، اعتصم الموظفون واجتهدوا في توقيع العرائض وهتفوا، لكن لا فائدة، بكى الجميع بكاء تملّق ونفاق وهم يودّعونه، إلاّ اثنين منهم، كانت دموعهما حقيقية ووجعهما حقيقياً:

فقد أدرك عصام وعبدالله أنّ عليهما الآن أن يبدءا من جديد...


... (2)...

...
وخرجا متوجهين صوب مكتب المدير، دقّّا الباب ودخلا، وكان المدير يتحدث بالهاتف والسماعة على أذنه...

 " أبو سند بدنا نحكي معك ".
" طيب اتفضّلوا - أبو رياض برجع بحكي معك بعدين " وأغلق سمّاعة الهاتف.
بدأ عصام وعبدالله بالترجّي وإلقاء عبارات الأسف والندم وتعهّدا أن لا يعيدا الكرّة، فسامحهما المدير وخرجا من عنده سعيدين، عند الباب: " اتفضّل علينا سيدي ... اتفضّلت".

رفع أبو سند سمّاعة الهاتف وعاود الاتصال بصديقه أبو رياض.
-" سلام، مالك يا زلمة ليش سكّرت التلفون ؟ "
-" دخلو علي موظفين، قلت بخلّص منهم وبعدين برجع بحكي معك ".
-" شو بدهم؟ "
-" ولا شي ، اثنين مسّيحة جوخ، اجو يترجّوني ارفع عنهم العقوبات. "
-" بتعرف يا أبو رياض هذول الموظفين بيذكروني بدورة حياة الضفدع ".
-" كيف يعني؟ "
-" الموظف فيهم بيكون زي أبو ذنيبة أوّل حياته بيظل يهز بذنبه جوا المستنقع اللّي عايش فيه علشان يصل من مكان لمكان، بعد فترة بيبدا يتطوّر ويكبر، بصير جلده أخضر ومرطّب، وكل ما مر عليه وقت أكثر بيصير شكله مقزّز أكثر. لكن طِلع أو نِزل بيظل ضفدع! "
-"ههههههههه، ضحكتني يا زمة، والله عجبتني. بس يا أبو سند مش إنت كمان موظّف ؟"
- " لا. أنا لحقتني نظريّة التطور وصرت هسّه حوت. "
-" هههههههههه، بتعجبني يا أبو سند. "

خلال عمله كمدير للدائرة عقد أبو سند الكثير من الاجتماعات الخفيّة، وجنّد العديد من الموظفين المخلصين له من الوصوليين، و لم تكن العقوبات التي أتحف بها موظفيه إلّا وسيلة لاستقراء ردود أفعالهم ليتمكن من تحديد الحاشية المناسبة، ونجح نجاحاً باهراً في فرض سيطرته على المكان من خلال تجسيد معاني الشلليّة وضرب الموظفين ببعضهم والتفرقة بينهم.

عندما سُئِل أبو سند ما الذي يدفعه لمثل هذه التصرفات، قال معلّلا: " هذول الموظفبن مريضين نفسياً وشخصياتهم مهزوزة، ما بيشعر الواحد فيهم إنه بيسوى وعنده كيان إلّا إذا لقيله حدا كبير يستنجد فيه ويركن عليه، وبالمقابل وزي ما انت شايف أنا بعرف كل شي بينطبخ وبينقال بهالدائرة وأنا قاعد ورا مكتبي، وزي ما قال المثل: ’يا بخت من نفّع واستنفَع‘ " .

سلوكيات أبو سند السيّئة لم تصبّ في مصلحته، فقرّرت الإدارة العليا نقله من دائرته عقاباً له. وغضب أبو سند غضباً شديداً، وأراد رفض القرار لكنه لم يتجرأ أن يواجه الإدارة، فاستنجد بحاشيته لإثارة الفوضى ورفض القرار والاعتصام وتوقيع العرائض، واستجاب الأغبياء لمطالب زعيمهم وهم لا يدركون أنه قد وضعهم في الجبهة الأمامية في المواجهة واختبأ وراءهم ليحفظ لنفسه خط الرجعة. ولكن دون جدوى...

رغم أنفه أُجبر على ترك دائرته، وقبل أن يركب سيّارته ويبتعد، نظر لجموع الموظّفين المودّعة له ودموعهم تسيل على خدودهم، نظر إليهم باشمئزاز وقرف وقال في نفسه:

"صحيح بتظلكو ضفادع ! "


هناك 14 تعليقًا:

  1. اللهم لاتجعلنا من أشباه أبو ذنيبة! O_o

    في كم حتة أنا جد شفتهم مع أنو أسبوعين وكم يوم صارلي بس قلتلك الستالايتاات تبعي مصحصحين ع كل شي هههههه
    كانوا يمدحوا المديرة جنب بعضهم لما كانوا متجمعين لأنو تركت ورقة كاتبه فيها أنها رح تسافر وهيك وبس قعدو كل (شلة) مع بعضها أتحول المديح إلى (آيات) من اللعن !

    كمان حكتلي وحده أنو طردوا 2 قبلنا واتحججوا أنو وحده منهم ما كانت تبتسم ! والتانية كانت دايما بتتفشخر بشهاداتها!
    وأنو المديرة والمشرفة والأداريات لازم الصبح تروحي وتصبحي عليهم! o_O
    حسيت حالي بخيمة بدو ولازم كل يوم أحكيلها " يصبحك بالخير يا طويلة العمر " !!!

    الله يعين بس... بحس أنو بمجال الشغل أحسن شي الواحد ما ينضم لهالـ(شلل) ومايوسع علاقاته كتير معهم لأنو الكل عم يضحك معك وبس تصير شغلة الكل بيقول نفسي نفسي ! ( يخرب بيت هالحالة)!

    تشكرااات ع الهدية حبيبتي(: أنا رح حط كريمات مشان مايقلب جلدي أخضر !! ههههههه

    ردحذف
  2. أبااااي شكلها اشي من الاخر بس طالعة عالشغل هلأ لوووول
    بس أروّح بنشوفها

    يسلموا كيكي :*

    ردحذف
  3. الإتجاه المعاكس

    لووووووووووول

    هاااااااد هوه اللي طلع معك
    دوره حياتنا ك موظفين طلعنا ظفاظع؟؟

    ما بنكر وجود شرذمه من هدول مسيحه الجوخ,, ف كل مكان منتشرين زي الجدري الله وكيلك

    أنا ماعندي لحيه إمشطيه,, الحمدلله
    بغلط وبتعاقب عادي,, وكتير كمان
    بس إزا تعاقبت ع شي بدون حق
    بقيم الدنيا وبقعدهاش إلا ت يرجعلي حقي بالتي هي أحسن


    المهم,, سيبك من هالسواليف
    صباحك حلو متلك,, يا بطه إنتي
    كيكيكيكيكيكيك
    إسمك وإلا كيكه هاي ؟؟!!؟؟

    ردحذف
  4. المدونة رائعة وشكرا لك وبارك الله وبالتوفيق ....

    ردحذف
  5. الرصاصة:
    حبيبتي . إنت عمرك ما بتصيري من أشباه أبوذنيبة.. اطمني :)

    أووووه شو لسه شفتي! هاد الحكي الكلاسيكي عن المديرة ورا ظهرها و واجب السلامات من الثوابت في الشغل! الله يعين..

    عالعموم زي ما انت استنتجتي خليك بعيدة عن الشللية, ومن تجربتي الخاصة فالناس بالشغل لازم يكونوا مجرد زملاء بس ومش لازم يتعدى الموضوع لصداقة أبدا أبدا, وبتضلي رسميةودبلوماسية مع الكل.. وما تصدقي كل ما يقال.

    الله يسعد أيامك والحمدلله الهدية عجبتك :)

    ردحذف
  6. أم عمر:
    مش أنا اللي بحكي إنا ضفادع هدول المدرا هيك بيشوفونا, عالعموم أغلب اللي مروا علي من مدراء شايفين حالهم لدرجة ومش محترمين أي موظف.

    ههههههه, بعرفك أنا كاسرة إم عمر أكيد ما راح تسمحي لحد ياكل حقك:)

    يسعد صباحك ومساكي..الكيك زاكي والله شهييني :)

    ردحذف
  7. رين:
    بتمنى التدوينة عجبتك.
    الله يسلمك ويخليك يا رب :)


    محمد عبدالتواب:
    أسعدني مرورك وتعليقك.. شكرا لك :)
    دمت بخير

    ردحذف
  8. مساك الله بالخير و السرور

    قصة واقعنا المؤلم
    فكم من نزيه أغتيل نفياً لأنه لم يستجب لمغريات الغير مألوف من تزوير وبيع تواقيع واختام وإلخ من صفقات فاسدة
    اظن قصتك حكت جزء بسيط من الألم
    لي صديق تدرج وظيفياً وحاز مرتبة رفيعة السلك الوظيفي , لكم مشكلته أنه كان شريف (عندنا يقولوا:شريف مكه) على العموم في يوم وكل بالإدارة المالية في مرفق عملة و طبعاً (شيخ الشرف) ما قصر .. أرخى العنان لمواهبه المتمرسة في النزاهة والدقه وخدمة ومصلحة البلد .. طبعاً صدم الجميع موظفين ومدراء بهذا الجهد المفعم وهذه الطفرة الصارخة و ما هي إلا خطط وإتصالات حتى أتي أمر من العاصمة بنقل الشريق الى أقاصي الأرض لخدمة البلد والحفاظ على مصالحها .. وفي النهاية إرتاح الجميع منه وعادت المجاري لتطفح من جديد.

    هكذا تبنى الأمم في أمتي


    آسف على الإطالة

    لك مني تحية وسلام

    ردحذف
  9. أمثال عصام وعبد الله كثار ، وأمثال أبو سند برضه كثار .. واكيد مروا عليك بحياتك .. لانهم مروا علينا كلنا في مرحلة من مراحل شغلنا ..

    :::::

    استمتعت بالقراءة وبطريقة العرض .

    دمت بخير.

    ردحذف
  10. اختيار موفق للعنوان :)، لو بندلوا عليكي تاعون المسلسلات ما بتريكوكي الا لما تعملي سيناريو :).

    مشكلة النفاق، والمشكله الاكبر لما الانسان يكزب الكزبة ويصدقها ويدافع عنها كانها واقع مش كزبة...

    يعني بتزكر أسماء بنت ابي بكر لما حكت لابنها لما وقف بوجه الحجاج لايضر الشاة السلخ بعد ذبحها وبالمقابل دورة الضفادع :).
    لا يسعني الا قول وعجبي، اعاذنا الله وياكم من النفاق

    ردحذف
  11. غير معرف يقول...
    اختيار موفق للعنوان :)، لو بندلوا عليكي تاعون المسلسلات ما بتريكوكي الا لما تعملي سيناريو :).

    مشكلة النفاق، والمشكله الاكبر لما الانسان يكزب الكزبة ويصدقها ويدافع عنها كانها واقع مش كزبة...

    يعني بتزكر أسماء بنت ابي بكر لما حكت لابنها لما وقف بوجه الحجاج لايضر الشاة السلخ بعد ذبحها وبالمقابل دورة الضفادع :).
    لا يسعني الا قول وعجبي، اعاذنا الله وياكم من النفاق

    حنين

    ردحذف
  12. غريب:
    نعم هذا الواقع المؤلم! وصحيح أن القصة تروي جزء مما يحدث، سمعت و رأيت الكثير مما لا يتسع ذكره وبحاجة للكثير من التدوينات، لكن بإمكاني أن أقول أن قصة زميلك تحدث في كل مكان تقريبا :)
    دمت بخير وشكرا لمرورك ومشاركتك القيمة.


    وجع البنفسج:
    شكرا لمرورك ومشاركتك :)
    للأسف هذه الأمثلة التي طرحتها لم تمر علي لفترة فقط، بل هي موجودة معي كل يوم، كانت وما زالت ولا أظنها ختفي، هي من الثوابت في الحياة الوظيفية!
    دمت بود.


    حنين:
    ههههههه, شكرا وتسلمي يا قمر على الإطراء اللطيف :) أنا مرات بتيجيني الحالة وبسرح فبيطلع معي سبناريو محبوك!
    آاااخ.. النفاق النفاق! مرض منتشر ومستشر بين الناس للأسف..
    الله يحميك منه ويحمينا.
    دمت بخير :)

    ردحذف
  13. ههههه كتير حلوه القصــه ^_^ وضحكتني كتير :-)

    ردحذف
  14. orangee:
    إنت الأحلى :)
    وشكرا لمرورك

    ردحذف