27‏/11‏/2010

الله يعين الخرج !

محمد بالعادة واحد كشر ونكد، ومنظره عالصبح بيقطع الخميرة من العجينة، واليوم بالذات كانت ملامح وجهه كفيلة بإنها تمحي أي أمل متبقي عند الناس بالعالم, أو حتى إنها تهدّ الجبال! وجهه أسود وبوزه شاحط عالأرض وعيونه ضيقة وزي اللي بده نكشه عشان ينزل فيك ضرب.
 طبعاً بما أني صاحبه بالشغل ومكتبي جنب مكتبه، لازم أسأله عن حاله وعن السبب لكل هالملامح على هالصبح، وراح تتفاجؤوا إنه صاحبي محمد عنده دايما مبررات منطقية ومقنعة.

بديت بالجملة الاعتيادية اللي ببدا فيها دايماً:

- يا فتّاح يا عليم، خير مالك على هالصبح؟

- يا زلمة عف عني مش ناقصك إنت كمان.

- لا بالله عليك تحكيلي، يمكن أعرف أهونها عليك، يالله فضفض شوي.

- طيب. خذ يا سيدي.
  مبارح رجعت تعبان كالعادة من الشغل وبس أكلت، حطيت راسي عالمخدة بس لأرتاح شوي، 5 دقايق وبتصل أبوي بده أوصله على بيت أجر لواحد من القرايب. طيب يابا هسه أنا راجع من الشغل.. اتصل بواحد ثاني من إخوتي.. شوف جمال شوف أسامه.. طلعوا كلهم سبحان الله مشغولين! ما هم إخوتي هيك دايماً ما إلهم علاقة وبتطلع براسي..

- معلش يا أخي، بعدين بيظل أبوك.. أجر وثواب بتكسبه بهالختيار.
   
- ما أنا هيك حكيت لحالي وفعلا قمت بدي أطلع وتمسكني مرتي، وعلى قولها إنت بس شاطر تروح تجري لما أبوك بده إشي وأنا إلي أسبوع بترجاك تصلح كيزر الكهربا ومش راد علي، وصارت تصرخ وسمّعت كل الحارة، فحلفتلها يمين غير يتصلح اليوم بس تسكت.

- وبعدين؟

- ولا شي وصلت أبوي ورجعته ورحت أدوّر عالكهربجي، ولا أنا كهربجي وبرضى آجي، قال هو الثاني تعبان وخلص دوامه! حلفتله غير آخذه وأجيبه بالسيارة وأعطيه اللي بده إياه ترضي ييجي، وهو الثاني ما كذّب خبر قصني بالأجرة الله لا يوفقه! بس شو بده الواحد يحكي؟

- يا سيدي مش مهم، المهم المرة حلّت عنك.

- يا ريت! بس رجعت حكت لي لسه ظايل وقت بالنهار خلينا نروح عالمؤسسة نشتري أغراض، حكيتلها يالـلا ما هي خربانه خربانه! ويا حزرك شو صار معي بالمؤسسة؟

- شو؟

- اشترينا الأغراض وصفينا بالدور زينا زي هالناس وييجيلك واحد بدحش حاله قدامي: معلش معلش يا خوي معي بس غرضين خليني أحاسب قبلك! بالله عليك شفت زي هيك وقاحة؟

- آه وشو عملت؟

- كان نفسي أرقعه كف أجيب أجله، بس أكتفيت بإني أصرخ وأسب وما خليتله ليبعد من قدامي وهو الثاني ما وفّرني بس بالآخر رجع صف بآخر الدّور. بس ما كانت هاي هي المأساة الحقيقية !

- كمان؟

- كنت صافف سيارتي في موقف بالأجرة برّا المؤسسة وبس جيت أحاسب العامل قال بده ربع ليرة زيادة على الأجرة.. بسأله ليش؟.. حكالي غلاء محروقات.. أي شو دخل المحروقات بالإصطفاف؟ هي السيارة بتصرف وهي واقفة؟ بالله عليك أهبل هاظ ولا بستهبل؟

- هههههههه، لا هيك ولا هيك، بس حب يتشاطر عليك شوي، وأكيد راح يحط الربع بجيبته.

- يتشاطر على مين؟ أنا رميتله الأجرة بوجهه زي ما هي وظليت طالع من المكان.

- طوّل بالك يا زلمة، ما هي الدنيا هيك. لازم تصبر على هالبشر وتطنّش. وعلى رأي المثل " حطّ بالخرج حطّ ".

- أي الله يعينه هالخرج شو بده يتحمّل ليتحمّل؟ أي والله لو كان شوال لكان انفزر!
 لا وهاي لسه أحداث مبارح لسه كان لازم يكون في للنكد تكميله اليوم !   

- خير؟ كمان؟

- آخ بس آخ.. أنا مستأجر للولاد باص ميكرو ليوصلهم للمدرسه كل يوم. واليوم أول الشهر و زي ما بتعرف ظايل على دوام المدارس بس أسبوع وبخلص الفصل الدراسي، فحكيت بالمرّة بحاسب السواق مقدما عن هالأسبوع وبنخلص. وإذا بإبن الحلال مش عاجبه الحكي وبدّه أجرة شهر كامل مش أجرة لأسبوع. قال هو متفق معي على شهرية وما دخله إذا المدارس ظايللها أسبوع ولا عشرة!

- آه .. وإنشاء الله أعطيته؟

- ما يحلم أعطيه.. حكيتله روّح أنا راح أوصّل ولادي هالأسبوع.. ولسه بتحكيلي حط بالخرج ؟

- والله ما بعرف شو بدي أحكيلك؟ المعاملة مع الله.. حسبي الله ونعم الوكيل في هالناس..

- على قولتك.. هو أصلا لولا أنا مآمن إنه في رب لهالناس ومآمن بإنه فيه عدالة عند ربنا بالآخرة كان زمان رميت حالي من البلكونه... ولساتني صابر وبداري.. بداري أبوي وأخوي ومرتي ومديري وصاحب الدكانة ..

- خلص إفردها هالكشرة وهسه بعملك فنجان قهوة على كيفك مع سيجارتين وبينعدل مزاجك.



22‏/11‏/2010

أنا لا أكذب ولكن أتجمّل

شقّت الباب شيئاً يسيراً ونادت علي كي أنهض.. نعم يا أمي إنني مستيقظة. لقد صحوت قبل برهة ولأول مرّة!  أستيقظ  قبل الوقت وأنهض من فراشي دون كسل وأبدأ نهاري بسرعة.
نظرت في المرآة وكم كان غريباً فقد أعجبني ما رأيت! ربما هي الحماسة التي يقفز لها قلبي ألقت غشاوة على عيني فبدوت لنفسي جميلة وأنا لم أكن جميلة منذ عقد من الزمان.
بدقائق معدودات ارتديت ملابسي وتناولت حقيبة ثيابي وودعت أمي وخرجت.. سأقضي أسبوعاً كاملاً في رحلة لشخص واحد أقضيها في التسوق والحفلات... لا لا... أنا لم أربح جائزة في برنامج للمسابقات، أنا دعيت لأقضي أسبوعاً في قصر ليلى.
ليلى - لمن لم يعرفها منكم - هي صديقتي منذ أيام الجامعة وقد دعتني لأقضي أسبوعاً في منزل والديها ولأشاركها زفاف شقيقها التوأم، وبما أن ليلى من "عِلية القوم" وأنا من "الأقل حظاً" فزيارة ليلى تبدو كجائزة قيّمة لأمثالي.

على عجل ركبت الحافلة فعلي أن أصل باكراً ولن أضيع لحظة من هذا اليوم الجميل.. ورغم طول المسافة بقيت عيناي مفتوحتان تراقبان الطريق.. ولم يكن فيه ما يستحق المشاهدة غير أنه الشوق لليلى أبقاني يقظة.
وعندما وصلت بالطبع كانت ليلى بانتظاري، وبعد العناق الحار وتبادل الضحكات والقبلات صحبتني في سيارتها مباشرة إلى (المول) فقد بدأ المرح!

لن أخفيكم فأنا لم أدخل هذا المدعو (مول) من قبل ولم أتعرف على ذاته الرفيعة، لكنني لن أتوتر وسأتصرف بعفوية وعقلانية وكأنني زرته آلاف المرات. وليلى ببساطة تدرك ذلك. فعلى الرغم من كوننا من عالمين مختلفين إلا أننا كنّا أنجح وأفضل صديقتين، هي مرّة واحدة تبادلنا أطراف الحديث وأدركنا كم نحن متشابهتان!
لا أخفي عنها شيئاً وهي كذلك، تعرف من أكون وأين أقطن ورغم ذلك تصرّعلى صحبتي.  

كان المكان كبيراً ودارت عيناي ببللاهة في محجريهما وتشوّشت أفكاري، ومن محل لآخر درنا وليلى تختار الثوب والحذاء والزينة وتصر على أخذ رأيي في كل مرّة فصديقتي انتظرت ليوم قدومي لأشاركها شراء مستلزمات الحفل، درنا لثلاث ساعات أو أربع حتى التهبت قدماي، وكدت أن أطلب منها أن نغادر المكان إلى أن مررنا بجوار محل للحقائب وإذا بي أستدير بسرعة ويلتصق وجهي بزجاج الواجهة، نعم.. فأنا من عشّاق الحقائب!
أمعنت النظر في كل حقيبة وشكلها ولونها وهممت أن أشتري واحدة إلاّ أن ثمنها رمى بي بضع خطوات للوراء.. 94.99 دينار؟ أطن أن الكلمة المكتوبة بجانب هذا الرقم هي دينار! طبعا لاحظت ليلى بسرعة ملامح وجهي ولوني المصفرّ فبدأت بالشرح : هذه الحقائب (brands) والواحدة منها فريدة ولا يصنع من ذات الموديل أكثر من قطعة. وضحكت واستأنفت: حتى أنا لا أشتري من هذه الحقائب..
ربما أرادت ليلى أن تخفف عني قليلاً وطأة الإحراج، لكنني في الواقع لم أكن أشعر بالحرج، ربما ببعض الاستغراب، خاصة وأن حقيبتي ذات الدنانير السبع كانت أجمل من بعض هذه الحقائب، فلم أدفع مبلغاً كهذا على مجرد حقيبة؟ في النهاية هي قطعة جلد لحمل الأغراض!
لكن، ربما يصعب على أمثالي فهم المغزى من وراء ذلك فأنا لم أعش مثلهم. أظن أن علي أن أحتفظ بأفكاري لنفسي فلا أريد أن أظهر المزيد من الغباء...
  
قضينا أغلب النهار في الخارج بين المطاعم والمقاهي وبذلت صديقتي جهداً عظيماً لتدخل السرور إلى قلبي، وعندما عدنا للمنزل ليلاً كان والداها مضيافين ولطيفين وبدا الوضع مثالياً، حتى عندما استلقينا على الفراش قضينا وقتاً نقلّب الذكريات في العتمة.. ونضحك.. هل تذكرين يوم ذهبنا إلى .. وهل تذكرينه وصديقته.. وهكذا حتى غلبنا النعاس.
وقضينا كل الأيام التالية على نفس المنوال نخرج ونتسوق ونتعرّف على الجانب الآخر من المدينة الكبيرة، وهذه المرات حاولت أن أكون أكثر تركيزاً وانتباهاً وأن استمتع في كل لحظة.

وحان اليوم الموعود وكان البيت محموماً بالحركة والكل مشغول مشغول، لكن الكل سعيد ومبتهج. حلّ المساء بسرعة وخرجنا مسرعين إلى السيارة ونحن نتلألأ تحت ضوء القمر، وطول الطريق نغني وأصوات أبواق السيارات أخبرت كل المدينة أنّا فرحون مبتهجون.

آه لو كنتم معي ورأيتم ما رأيت! منظر الفندق من الخارج كان رائعاً فكيف سيكون من الداخل؟ وعلى باب الفندق زفّت العروس إلى عريسها ساعة كاملة، وبعد أن دخلنا قاعة الحفل.. يا إلهي! لساني يعجز عن وصفها من الداخل.. الأبهة والورود والسجاد الفاخر والأضواء وشاشات العرض وووو... وكأنني في حلم... حتى دورة المياه كانت جميلة !!! كدت أبكي أي والله!!!
وليس هذا فحسب، دخل العروسان على المدعويين يركبان عربة يجرها جواد أبيض كما في أفلام الباشاوات القديمة، ونزل العريس أولا ثم مد يده وأنزل عروسه وتوجها إلى مقعديهما بخطوات هادئة وهما يرقصان، وكانت العروس جميلة جميلة... للحظة تمنيت لو كنت مكانها... يا لهنائها... ففي هذا اليوم بدت وكأنها أميرة في حكايات الأساطير... وانقضت الليلة على خير ما يرام.  
وهكذا انتهت زيارتي ولم أكن أريد منها أن تنتهي، لكن هي اللحظات الرائعة  تمرّ سريعاً، وودّعت ليلى والشوق يحرّك قلبي للقائها من جديد، وعدت لمنزلي لكنني قضيت شهراً كاملاً بعد ذلك أروي القصص وأصف ذكريات ذلك اليوم الجميل.

ومر الشهران والثلاثة والأربعة ومن حين لحين أحادث ليلى وأطمئن على أخبارها، لكن اليوم سأتصل بها لأطمئن على حال العروسين...
- ألو، مرحبا ليلى.
- أهلين حبيبتي.
- كيفك إنت وكيف أخوك العريس وعروسته الحلوة؟ طمنيني؟
- والله شو بدي أحكيلك واصلة بيناتهم للشيطان الرجيم.
- إيش؟ ليش هيك؟ يا رب أستر شو صار؟ 
- والله خلاف صار بينهم وهو بساعة زعل ضربها وهي اشتكته للشرطة وحبسته وحلف إنه راح يطلقها و..
- إستني إستني إحكيلي من الأول أصلا على شو الخلاف؟
- والله أصل الخلاف المصاري. العروس دايم دوم بدها فلوس، وعلى سيرة أعطيني، وبدي أروح مع صاحباتي وبدي أشتري إشي جديد وهيك... وأخوي ما معه... ما الديون راكبته من ساسه لراسه من وراها بنت الكلب.
- طيب ليش عليه ديون؟
- إنتي مستهينة بمصاريف الزواج هالعرس لحاله كلّف بحدود 15 ألف دينار، علشان العروس تروح على الصالون الفلاني وتحكي للناس إنها لبست الفستان من المحل الفلاني، هاد غير اسم الفندق اللي كان أهم إشي انكتب في كرت العرس لتجاكر فيه الناس... ويعني صحيح أخوي موظف بشركة محترمه بس بيضل الراتب محدد يعني مفيش زيادة فلوس لكل طلباتها، ويا حبيبي كم صرف عليها بالخطبة! إشي هديا وإشي طلعات وغير المهر...
- طيب ليش أخوك رضى بهالحكي وبعدين عفوا، أبوك ما ساعده؟
- لأ بابا ساعده بس برضه ما كان ممكن يدفع عنه كل إشي وبعدين هو كان مصر عليها وبيحبها وبده يعمللها كل اللي بدها إياه. أنا عارفة والله الناس ضربتهم عين.
- بس برضه المبلغ والله كبير! يعني أنا بعرف ناس تزوجت بنص هالمبلغ ويمكن بثلثه!
- آه بس برضه ما تآخذيني يعني هاد بس عندكو..
- عنّا؟
- آسفة مش قصدي، ما تفهميني غلط بس يعني إحنا عنّا صورة معينة ولازم نحافظ عليها ومش أي شي بيمشي في المجتمع اللي إحنا عايشين فيه... انتي بتعرفي...
- أيوه...
معلش ليلى صار لازم أروح إجانا ضيوف... تصبحي على خير.

في هذه اللحظة بالذات كان علي أن أغلق السمّاعة، كنت اعتدت على كل ما قد تقوله ليلى وتقبّلته، لكن الكلمات هذه المرّة بدت جارحة. كان علي أن أغلق السمّاعة لأنني كدت أن أتلفظ بالكثير الذي كان بإمكانه أن ينهي صداقتنا للأبد... لم تكن هذه المقارنة عادلة أبداً!
أما زال لديها المزيد لتتبجّح به على الرغم مما آلت إليه الأحوال؟ 
لكن ...وعلى العموم، أظنها كانت صادقة في بعض ما قالته...
 فأنا لست مثلهم...
 فعلى الأقل أنا لم أكن يوماً من المدّعين...