08‏/11‏/2011

نعيمة... (5) والأخيرة

أنا اليوم في العقد الخامس من العمر.. عدا عن كوني وحيدة..

حسناً.. عشت أماً لأولاد ليسوا بأولادي.. وجدة لأحفادي ليسوا بأحفادي.. ورعيت أبي شاباً وعجوزاً.. وقد ارتحل الآن.. لعالم آخر.. لن أتكلم أكثر عنه.. غفر الله لي وله..

وهل يدوم هذا الصمت؟ ربما سُمعت مناجاتي.. في الباب طارق.. ربما هو آخر طارق.. زوج بلا زوجة.. وبضعة أيتام.. أن أكون أماً لأيتام.. هذا عمل أجيده..

عارض من عارض.. رفض من رفض.. لماذا؟ في هذه السن؟ لم لا؟
أريد أن أجرّب.. ولو لمرة واحدة.. ألا يحق لي أن أجرّب؟

كعادتي أنتصر.. رغم أنوف الساخرين.. كيف تبدو خمسينية في ثوب الزفاف!.. اشتريته على أية حال.. ارتديته.. فرحت ورقصت.. وبكيت.. وارتحلت..

وصلت داري الجديدة.. وتملكني الرعب.. أهو رعب العروس الجديدة؟ دخلتها بتثاقل.. مشيت بتأنٍّ حتى باب غرفتي.. وقفت.. تأملتها.. جدرانها البيض.. فراشي الجديد.. وانتصبت أمامي.. خزانتي الجديدة..

آهٍ يا خزانتي.. تُرى.. أيكون مصيرك كما الخزائن الأخرى؟  تُرى.. هل أرجم بالحجارة؟ أينتصرون علي؟ هذه حرب لا طاقة لي بها...


07‏/11‏/2011

نعيمة... (4)

في الباب طارق.. أول خاطب..  لي؟ أنا أتزوج؟ حسناً.. لم أكن بحاجة لأتساءل كثيراً.. أو أفكر كثيراً..
رفض أبي وعارض بشدّة.. الأول فالثاني فالثالث فالخامس عشر.. لم أعتد أن أسأل.. لكنني أستخلص الإجابة.. ربما خاف أبي أن يفوته رزقي.. ربما خاف على نفسه.. أو خاف على إخوتي.. لمن سأتركهم؟ بطبيعة الحال لم أكن لأتركهم..

لكن.. أن يعارض زواج شقيقاتي.. فهذا كثير.. لا يوجد مبرر واحد.. أبداً.. وما كنت لأدعه ينتصر! واجهته.. حاصرته.. ضيّقت عليه الخناق.. بكل أقاربي ومن كل الجهات.. وافق مرغماً.. 

انتصرت.. ولكن.. هذه المرة للنصر ضريبة .. ارتحلوا.. جميعاً.. واحداً تلو الآخر.. الدار خاوية..
تُرى.. لو وافق أبي على زواجي؟ بالتأكيد كنت سأرفض.. ماذا لو أصرّ؟ كنت سأتمنّع.. ماذا لو أمرني وشدّد علي.. كنت سأرضخ.. كنت سأدعه ينتصر.. هذه المرّة.. لكن.. لم يأمرني أبي.. ويا ليته فعل..


واساني الأصدقاء.. كنت كالشمعة احترقت لتنير درباً لهم.. قمة التضحية.. أم قمة الغباء؟
تباً.. لقد احترقت!.. وأنا اليوم وحيدة.. 


- يتبع -

05‏/11‏/2011

نعيمة... (3)

إن تساءلتم هل كان هناك المزيد من الخزائن؟ فالجواب ببساطة هو لا..
توقف أبي ببساطة عن الزواج.. لم؟ لا أعرف سبباً دامغاً.. ربما ملّ النساء ومشاكلهن.. أو تحاشى المزيد من المخاسر المادية.. أرجح أن يكون هذا هو السبب.. فأبي ماديّ بامتياز..
عندما نكبر نتعرف على أهلينا من جديد.. ونجد أنهم كاذبون أو غشاشون أو حمقى أو.. صورة مغايرة عمّا اعتقدناه في الصغر.. في النهاية هم من البشر!

مازالت الخزائن الثلاث قابعة في مكانها حتى اليوم كأطلال المحبين.. كلما جاءنا زائر تساءل؟ وعلينا أن نشرح.. خزانة الأولى فالثانية فالثالثة.. جميل أن نضحك على الأطلال بدلاً من أن نبكيها..

إذاً.. ضلعت بكل مهام الزوجات.. صرت أنا الأم.. أنا الطاهية والغاسلة والماسحة.. الآمرة والناهية.. صرت أنا أساس البيت وعموده.. أتقنت ذلك أيما إتقان.. ربما من أجل ذلك لم يكن أبي بحاجة النساء.. ربما.. لا أدري..

لم يعن ذلك أننا لم نعش شذرات وعثرات.. لم نحزن  ولم نبكِ ولم نُقهر.. بلى.. فاليتم ذلٌ في جميع الأحوال.. لكننا صمدنا.. وانتصرنا.. أنهيت المدرسة والكلية.. وكذا أخواتي وأخي.. حصل كل منا على عمل يليق به.. بدا كل شيء حسناً.. حتى وقف بالباب طارق..


- يتبع - 

03‏/11‏/2011

نعيمة... (2)

على فكرة.. إسمي نعيمة.. أي اسم غبي هذا؟ طبعاً الحبكة التقليدية..اسم جدتي.. وليست أسماء شقيقاتي بأفضل.. يبدو أن أسماءنا كانت عفوية وليدة اللحظة ولم يبذل أحد أي عناء ليفكر أو يختار أي اسم عصري أو موسيقي!

لست بالغبية.. بالتأكيد أنا أفهم.. لقد انتصبت الخزانة الثالثة ووصل الفراش الجديد.. فالزوجة الجديدة.. لكن حتى هذه لا أذكرها كثيراً.. ولكنني أذكر بالتأكيد حديثها الخفي مع أحد ما عن إخراجي من المدرسة لأتكفّل بخدمة المنزل.. لا بدّ أن أرجمها بالحجارة.. وقد فعلت!

صحيح قد أنزل بي أبي قسطاً من العذاب ذلك اليوم.. وتطاير الكره والشرر من وجهها.. لكن على الأقل لم أخرج من المدرسة.. لا بدّ أنني انتصرت!

وارتحلت الزوجة.. كنت أظن أنني السبب.. هكذا سوّل لي عقلي الطفولي.. أنني انتصرت.. لكن الواقع أنها لم تكن تنجب.. فازدات كرهاً وحقداً.. ثمّ آثرت الرحيل..

- يتبع -



02‏/11‏/2011

نعيمة...(1)

حياتي تبدأ مذ كنت في التاسعة.. ولا يوماً واحداً قبل ذلك.. أنا لا أذكر شيئاً قبل ذلك.. حتى أمي التي خلّفتنا أربع طفلات ورضيع لا أذكرها.. ولا أذكر الكفن أو يوم الدفن.. لا شيء..

 لكنني أذكر يوم ارتحلت الخزانة.. يوم أخرجها أبي مرغمة وأعاد نصبها في غرفتنا.. وجاء بخزانة جديدة.. في ذاك اليوم ارتحلنا نحن لبيت جدّتي..

زوجة جديدة.. فراش جديد.. بيت جديد.. وأنا أحمل الرضيع وأطعم الصغيرات.. لكن كل ذلك لم يعجب جدّتي.. وكان ذلك إيذاناً بارتحالنا من جديد.. إلى بيتنا مرّة أخرى.. وغضبت زوجة أبي.. وارتحلت..

وارتحلت جدّتي لتقيم معنا.. وترعانا.. ما هذا؟ إمّا نحن أو الزوجة.. ويبدوا أننا قد انتصرنا.. فزوجة أبي لم تعد.. 

ارتحلت خزانتها .. إلى غرفتي لتؤنس الخزانة الأخرى.. لست بالغبيّة.. بالتأكيد أنا أفهم!   


- يتبع -