10‏/12‏/2013

حكي فاضي

هالتدوينة ما فيها أي معنى ولا وراها أي مغزى..
ما عندي أي كلام عميق أحكيه.. بس حبيت أزور مدونتي لأثبت لحالي أنه هالمساحة مش مهجورة..
الدنيا برد.. واتخيلوا معي إنا قاعدين حوالين الصوبة.. بنشوي بطاطا حلوة وبنشرب شاي بميرمية.. بنحضر مسلسل سخيف.. وبنتخرف خراريف..
  
شوية ألوان..
  
الأصفر
أنا بكره اللون الأصفر.. جدا جدا.. والسبب هو الوالد الله يرحمه.. هو كان يعشق اللون الأصفر.. وكل عيد لما نروح عالسوق نجيب ملابس العيد أرجع عالبيت بفستان أصفر.. عمللي عقدة..
لما كان عمري 9 سنين ورحنا نشتري ملابس عيد الفطر عجبني فستان لونه أبيض والقبة كحلية.. وكان شكل القبة زي لبس البحّارة ومرسوم عليها دفّة سفينة وأمواج.. عجبني كثير خصوصي أنه المسلسل الكرتوني الدارج في هداك الوقت كان جزيرة الكنز.. والقرصان جون سيلفر ذو الساق الواحدة.. المهم.. أصريت أشتريه.. ولبسته في المحل بس طلع مقاسه كبير.. وما فيه نمرة على قياسي.. فعلى طول أبوي ضربت عينه على أول فستان أصفر وحكالي.. يااااه شوفي هالفستان ما أحلاه.. وطبعا اشترولي الأصفر.. وبكيت وانتحرت بكا.. واجا العيد وأنا ببكي.. بس طبعا ما حدن رد علي.. ولبست الأصفر.. بس هاي كانت آخر مرة.. في العمر.. بعديها اتمردت ورفضت.. حتى لو بحبس حالي بالدار وما بطلع بالعيد.. ذكرياتي أليمه مع هاد اللون..

حتى تتخيلوا قديش الوالد كان يعشق الأصفر.. الوالدة حكتلي انهم لما كانوا مخطوبين كان أبوي بعده طالب بيدرس في جامعة بيروت.. ولما رجع بعد موسم الامتحانات جابلها هدية.. بلوزة بيج وبلوزة صفرا وجاكيت كموني!!.. حكتله إنه ما فيه ببيروت غير هاللون؟ فرد عليها والله لفيت بيروت من أولها لآخرها ما لقيت أحلى من هاللون!!

زهري ولا أزرق؟
الزهري من الألوان اللي بكرهها كمان بالإضافة للأحمر.. ولا يمكن ألبس أحمر.. بالمقابل بعشق الأزرق بكل تدرجاته.. والمفروض إنه الزهري بناتي والأزرق ولادي.. يعني هالتصنيف بيطلعني من خانة الأنوثة؟
قبل يومين بس قرأت مقال عن مصوّرة كورية بتلف العالم وبتصور غرف الأطفال وملابسهم.. والطابع العام إنه غرف البنات زهرية وغرف الأولاد زرقاء في كل أنحاء العالم.. فعملت بحث عن تاريخ هاللونين لتعرف أصل هالثقافة المشتركة عالميا.. لقيت إنه الأولاد في الأصل كانوا يلبسوا زهري والبنات أزرق! واللون الزهري مشتق من اللون الأحمر اللي هو لون لدم.. فكانت الأم تتشجع إنها تلبس ابنها زهري في اعتقاد إنه بيخليه أكثر رجولية! والبنت بتلبس أزرق لانه لون السكينة والهدوء.. النظرة هاي اتغيرت بعد الحرب العالمية الثانية لما ظهرت حركات التحرر والمساواة بين الجنسين.. صاروا الامهات يلبسوا البنات زهري والأولاد أزرق لتوصل الفكرة إنه البنت تماما زي الولد..
يعني في النهاية هي وجهات نظر وأفكار مجتمعية مش أكثر وممكن مع الزمن تتغير.. ما إلها علاقة بالذكورة والأنوثة.. 

الأخضر
طبعا زي كل الأطفال كنت أكره أي طعام لونه أخضر.. ولمّا كبرت صرت آكل كل شيء علشان الفائدة حتى لو طعمه مش مستساغ.. باستثناء اشي اخضر واحد بس ما بحبه ولا بتحمله.. حاولت وما قدرت.. انها.. الملوخية.. بكرهك.. بكرهك.. حتى آخر العمر..
والشيء بالشيء يذكر.. بكره من الأكل كمان الميّة الحامضة اللي بصحن السلطة.. وقبل ما آكل السلطة بصفيها وما بخلي فيها غير حبات الخيار والبندورة ناشفة..
بكره كمان الفواكه الشتوية.. برتقال وكلمنتينا وتفاح.. نادرا ما آكلهم.. لكن بعشق فواكه الصيف.. العنب والتين والصبر والخوخ والدراق والإجاص.. يا سلااااام..

أعمال جنونية..
مش عارفة هاي القصة بتندرج تحت بند أعمال جنونية أو أعمال غبية.. اسمعوا القصة وبعدين قرروا..
قبل أكمن سنة الوالدة راحت عالعمرة برمضان.. وطبعا تركتلي مهمة الطبخ..
يوم السفر حكتلي إنه جرّة الغاز في المطبخ بتسرّب فديري بالك.. أنا طبعا سكرت الجرّة وطلعت عالشغل.. ونسيت الموضوع.. لحد ما إجا موعد الطبخ وكان ضايل عالأذان ساعتين.. فكّيت الجرّة ولقيت جلدة الغاز مهترية فبدلتها.. بس برضه لسه الجرة بتسرب.. ( وآه بعرف أفك وأركب جرة الغاز لإني عمري ما كنت نعنوعة ولا دلوعة).. رجعت فكيتها وركبتلها جلدتين غاز.. حماية مضاعفة.. بس بعدها بتسرب.. شو بدي أعمل؟ ما ضل وقت عالمغرب؟
فكرت.. إنه شو يعني إذا بتسرب؟ أصلا التسريب كان بسيط.. أكمن فقيعة غاز.. عادي.. بدي أكمّل الطبخة.. راح أجازف وأفتحها..
حاولت آخذ احتياطاتي.. سحبت الجرة لوسط المطبخ بعيد عن النار.. وفتحت الشباك عالآخر علشان أعمل تهوية.. وحطيت الطبخة عالنار.. وضليت بالمطبخ طول الوقت تحسبا إذا صار انفجار أطفيه بسرعة.. هسا كيف بدي أطفيه إذا صار؟ بعرفش.. أصلا ما فكرت بالكيفية وقتها.. وأصلا البيت ما فيه طفاية حريق..
المهم كملنا الطبخة.. وما صار إشي!! وسكرت الجرّة.. وبالليل اتصلت بزوج أختي ليشوفلي إياها.. طلعت ساعة الغاز هي اللي خربانة.. وأنا دايرة أفك وأركب.. غيرلي إياها ومشي الحال..
لما رجعت الوالدة من السفر حكيتلها القصة فبهدلتني وحكتلي.. الله لا يعطيكي إياها العافية.. كان موتي.. الله لا يجعل حدا ياكل..
بس انا اطلعت من هالموقف باستنتاج إنه مسألة تسريب الغاز هاي شوي مبالغ فيه.. (overrated) يعني.. ولا شو رايكم؟

تصبحوا على خير.. 

30‏/09‏/2013

أعراض جانبية


القصة بدأت من 10 أشهر لمّا وجعتني إيدي لأول مرة..
الوجع كان مستمر وبيزيد مع أي مجهود، فقررت أزور الأخصائي، الأخصائي كان رأيه إنه التهاب أعصاب من كثر ما بكبـّس عالكمبيوتر.. المهم أعطاني إبرة بالعصب وأدوية، ودفعت بلاوي مصاري، وما حسيت بتحسن ملحوظ.. حاولت أرتاح واستخدم الإيد الثانية للكمبيوتر واتحملت الوجع لشهور، بس كنت اصحى من النوم بوجع، وساءت المسألة وصرت ما أقدر اتحكم بأي شيء أمسكه ويفلت من إيدي، فالمسألة صارت ما بينسكت عليها..

طيب رحنا على أخصائي ثاني مشهور والكل بينصح فيه.. 
حكالي التشخيص السابق مش دقيق.. إنت عندك انضغاط بفقرات الرقبة وبتضغط على العصب.. يعني بالعامية (ديسك).
طلب صورة أشعة، وثبت بالدليل الشرعي إنه عندي ديسك، وصفلي مجموعة أدوية وحكالي لازم تلبسي (القبّة) 24 ساعة، وطبعاً دفعت بلاوي مصاري.
والله بعد مرور شهر حسيت بتحسن بإيدي..
بس كمان صار عندي وجع بالمعدة!
بالأول ما اهتميت فكرته إشي بسيط تلبك ولا تسمّم، بس الوجع يوم عن يوم زاد، وصار يصحيني من النوم، فالمسألة صارت ما بينسكت عليها.. 

رحت على دكتوري لقيته مسافر، فرحت على دكتور ثالث ووصفتله الأعراض وأعطيته تقرير عن تاريخي المرضي..
حكالي إنتي عندك التهاب بالإثني عشر.. يعني بالعامية (قرحة)، وهاي من الأعراض الجانبية لأدوية الالتهاب اللي وصفها الدكتور، ارمي الدوا بالزبالة حالاً! وخدي هاد الدوا لتتعالجي من القرحة!

طيب ردّينا على الدكتور ورمينا الدوا وأخذنا الدوا الجديد، والحمدلله خلال أيام شعرت بتحسن..
بس بعد أسبوعين من أخذ الدوا بديت أحس بتعب وضيق بالنفس، كنت أحس كأنه ( روحي مفرفطة ) عارفين هاد الشعور!
كمان ما أعطيت الموضوع أهمية في البداية افترضت إنه من الشوب وتعب الشغل..
بس اليوم وأنا قاعدة على مكتبي وما ببذل أي مجهود والجو حلو صابتني حالة اختناق وما عدت قادرة اتنفس، بدي أوكسجين، وحسيت زي النار في صدري، وأول إشي خطرلي جلطة! راح أموت بجلطة!

أخدت مغادرة من الشغل واتصلت بأختي لتاخدني عالمستشفى بسرعة، والله إجت بسرعة البرق، وأنا بدا نفسي يرجع شوي شوي، حكتلي أختي خايفة ما يستقبلونا حالة طارئة بالمستشفى لأنه شكلك مش موّاته يعني، واذا بدنا ننتظرالعيادات بدنا للساعة 3 العصر وطابور والله يعلم متى نشوف الأخصائي..
أنا انهبلت.. بحكيلك أنا عندي جلطة..
حكتلي أضمن وأسرع حل نشوف أخصائي باطني، وبسرعة رحنا عالعيادة والحمدلله كانت فاضية، دخلنا على طول وفحصلي الدكتور القلب والرئتين والكلى والضغط، وطبعا حكيتله تاريخي المرضي حتى اللحظة وأسماء الأدوية..
الدكتور حكالي الضغط طبيعي، أصوات القلب والرئتين سليمة، ما في مشكلة!
بس الدوا اللي بتاخديه إله أعراض جانبية منها تهيّج الجهاز الهضمي واللي ممكن عملك حالة الإختناق، فمن رأيي توقفي الدوا حالاً وارميه بالزبالة! وخدي هاد الدوا هاد مثبّط ومهدّئ للجهاز الهضمي، وإذا اتحسنتي الحمدلله، بس إذا ما اتحسنتي هاي مجموعة فحوصات للدم والغدة الدرقية وصورة أشعة بتعمليهم وبترجعي تراجعيني! وما تنسي تمتنعي نهائياً عن المنبهات: الشاي والقهوة والكولا والشوكولاته..

نعم يا خوي؟ ما أشرب قهوة؟
طبعاً مافي داعي أحكيلكم إني دفعت مصاري بلاوي..

اشتريت الدوا الجديد، وأول إشي عملته إني فتحت النشرة، النشرة بدون مبالغة طولها نص متر، والأعراض الجانبية:
جفاف، طفح جلدي، نسيان، توتر، عدوانية، هلوسة، اضطرابات سلوكية، صعوبة الرؤية، تسارع ضربات القلب، اضطرابات التبوّل.. ما هو أنا كان ناقصني!

حالياً أنا في مواجهة مع الدوا ومو مسترجية أبلع ولا حبة، وعم بفكر أرميه بالزبالة..

وبعدين أنا كيف وصلت لهون؟
أنا مش كانت إيدي اللي بتوجعني بالأصل؟

12‏/09‏/2013

يوم عادي

إنه الصباح..
أتقلب ذات اليمين وذات الشمال.. أنهض غصباً كي لا يفوتني الوقت.. أرتدي  الثياب على عجل.. السابعة والنصف.. أغادر سيراً على الأقدام فالعمل قريب..
الشوارع تضج بأولاد المدارس.. وأبواق الحافلات.. والأمهات النّعسات.. ورائحة مقلى الفلافل.. أبوعدنان من أحجار المدينة.. موجود هنا منذ الأزل.. وأنا وكل من أعرفهم أكلنا من تلك الفلافل.. وأكلنا نصيبنا من كل الآفات المعدية.. على باب دكانه تختلط أصوات المشترين برنين النقود وقرقعة مذياعه القذر.. بالكاد أميّز الأغنية.. في يوم وليلة.. في يوم وليلة..
أصل العمل..
أول الطقوس سلام ومصافحة لا تنتهي.. الجميع أحياء أموات..
أريد فنجاناً من القهوة..
طلب لن يلبيه لي غيري.. فالعاملون هنا يكتفون بتلبية طلبات الإدارة وشرب الشاي والدخان..
جميع الفناجين متسخة.. أبدأ بالغسيل..
دلّة القهوة هي أقرب للطنجرة في الحجم فالجميع بحاجة لجرعة مضاعفة.. أستنشق رائحة القهوة.. فيتسع صدري ويبدأ مزاجي بالتحسن.. أعود لمكتبي وأنا أدندن.. في يوم وليلة.. في يوم وليلة..
تسمعني إحداهن فتسألني.. خير طربانة على هالصبح.. فيكون جوابي سمجاً كسؤالها.. (بحب).. فترد هي.. ممتاز بس إن شاء الله بفايدة ههههههه.. الإسفين الأول.. الساعة الثامنة والربع..

ليلى تنحني على مكتبها كالأرنب الجريح.. ليلى لاتنتمي لهذا المكان.. فهي من أكلة الأعشاب.. والجميع هنا من اللّواحم .. منذ وصولها قبل سبعة أشهر تعرّضت للمضغ والتمزيق والتشريح والاجترار مرّات ومرّات.. أدعوها لتشاركني فنجاناً من القهوة.. فتوافق على مضض.. المسكينة.. تظن أنني قد أفعل بها شيئاً.. إن صمدت هنا فستصمد عاماً آخر.. على الأكثر..

الآن بإمكاني أن أبدأ العمل.. الشجار الأول.. الثامنة والنصف.. تقريباً في موعده المعتاد.. تتعالى الأصوات.. الموضوع في العادة لا يستحق كل هذا الغضب.. لكنها الفرصة الوحيدة لتلقي كل ما معك من إحباط وقمع وضغط في وجه أحد ما.. أغادر المكان لأنجز ما يتوجّب علي إنجازه.. قد أغيب الساعة أو الساعتين..

أعود لأجد مكتبي مغطىً بأكياس الخضار.. لقد وصلت أم خالد.. الشخص الأهم في هذه المؤسسة.. لا تستقيم الحياة بدونها.. تلبي أي طلب.. الكوسا محفورة وجاهزة.. الملوخية مغسولة ومفرومة.. ناعمة أو خشنة.. والحق يقال.. المرأة نظيفة ومبدعة وسريعة..
مع مرور الوقت تتعالى الأصوات.. قصص ما أزل الله بها من سلطان.. أخبار سخيفة.. كلام معاد.. شكوى.. غيبة.. نفاق.. ضحكات.. نسبة الإنتاج حتى الآن لا تتجاوز الـ 20%.. يتشعب الحديث.. انتقاد لأي شيء وكل شيء.. الروتين.. الغلاء.. العلاقة الجنسية..

تحظى العلاقات الجنسية بمنزلة عالية.. وتناقش أحياناً بتفاصيل مروّعة.. تجرأت يوماً لسؤال والدتي – والأمر بحاجة لجرأة -  فيما إذا كانت العلاقات تناقش هكذا على الملأ يوم كانت هي موظفة قبل خمسة وأربعين عاماً.. فأصيبت بالجزع.. قالت.. إن المرأة كانت تخجل من إظهار حملها.. وإن استطاعت أن تخفيه حتى الولادة فذلك أفضل!

فجأة.. تسمع نداءاً.. هام وهاجل.. أيها الناس.. احتشدوا.. إنه الإفطار الجماعي.. 
يقام هذا الحدث مرتين أو ثلاث أسبوعياً.. مشبع بالألوان والروائح المغرية.. يرفض البعض الاقتراب.. يقسم عليهم الآخرون.. لقمة الشبعان سبعمية.. موضوع الحديث الآن هو الحميات الغذائية..

انتصف النهار.. لا يوجد ما أقوم به.. فعلياً أنهيت المطلوب في أول ساعتين.. الوظيفة الحكومية قاتلة.. لا مجال للمزيد أو الإبداع.. حاول. أنت إما مجنون.. أو مجنون.. إمّا أن تتعرض للاستهزاء.. لماذا تجتهد والراتب باق كما هو؟ أو تتعرض للاستغلال.. حين يصبح الجميع أغبياء وعاجزين وأنت وحدك القادر على فك كل الطلاسم..
كيف أقتل الوقت إذاً.. هاتفي الذكي.. المزيد من القهوة..

ينشغل الآخرون بأعمال السمسرة.. في العمل سماسرة من كل الأنواع.. هناك دوماً شخص ما يعرف شخصاً ما يوفر خدمة ما.. توصيلة.. بطاقة خلوي.. ملابس.. طعام.. حقنة.. استشارة مجانية.. في هذه الفترة من العام ينشط سماسرة البازلاء والفول الأخضر والبامياء.. والملابس الداخلية..

الساعة الآن الثانية إلا ربعاً.. يتململ الجميع.. يستعدون للرحيل.. دفتر التوقيعات مفقود.. المديرة تخفيه.. لن يخرج قبل الثانية.. محاولة للسيطرة أو الشعور بالأهمية..
مكالمة هاتفية متوقعة.. الحجة بتوصيني على أغراض.. أصل السوق.. السوق فاضي مليان.. يضجّ بالمارّة ولا أحد يشتري..

أصل البيت مجلّلة بالعرق والقرف والصداع..
قردان على الباب في استقبالي.. ولد وبنت.. في الرابعة والثانية.. هما ذريّة أخي.. نبتسم.. نتصافح.. يدوم الود بيننا عشر دقائق.. يلحقون بي إلى كل مكان.. يجلسون معي على ذات الكرسي.. يصلّون معي الفروض الخمس.. ينتظرونني على باب الحمّام.. عمتو طوّلتيي!! يأكلون معي من ذات الصحن.. ألف سؤال وسؤال.. نتشاجر.. أطردهم.. أدفعهم عبر الباب الذي يفصل بيننا وبينهم وأغلقه بالمفتاح.. أصرخ فيهم.. لا ترجعوا قبل المغرب..أسمع السباب على طول الدرج صعوداً.. عمتو زفت.. عمتو حمارة..
يسترجع عقلي كل الأحاديث.. يتألم بدني من كثرة اللاعمل.. تهبط علي كل الأثقال..أغفو لمدة قد تطول.. 

بين العصر والمغرب.. زمن الصفاء الروحي والتأمل.. والجلوس تحت ظل الزيتونة الوارفة هو أحلا من الدنيا وما فيها.. قد يرافقني كتاب ما.. أو قد تشغلني فكرة ما.. استمتع بهذه الوحدة.. وتداعبني نسمات المساء الباردة وتأخذني بعيداً.. ويهبط الليل.. زقزقة العصافير العائدة إلى مضاجعها تنذر باقتراب النداء.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح..
فجأة..
طرق شديد على الباب وركلات وصراخ.. أعرف هذه النبرة.. أقترب من الباب.. من أنتم؟
فيأتيني الجواب سريعاً ومفحماً.. افتحيلنا.. مش إنتي حكتيلنا المغرب؟
فالأمر محتوم إذاً.. هو صداع وإزعاج حتى ينتصف الليل!

12‏/04‏/2013

قالت

(1)
حبي الأول.. عشقتها منذ وقفت بجواري تنتظر الحافلة.. شعر خرنوبي وعيون خلّابة..
قال له صديقه.. صحيح إنّ الحبّ أعمى.. خذ عينيّ فانظر بهما.. إنها قبيحة!!
لم يأبه.. لم يكن يرى فيها إلا ملاكاً.. فالحب في أوج الصبا حقيقي جداً..
كل يوم يصل قبلها وينتظر.. نظرة إليها كفيلة بأن تشحن طاقات عالمه من جديد..
صمد الحب الصامت زمناً.. لكنه ما عاد يطيق صبراً.. فاتخذ القرار.. سيبوح بحبه..
أريد أن أسمع صوتها.. أريدها أن تقول.. وأنا كذلك أحبك..
اشترى من أجلها هديّة.. ونسخ لها قصيدة غزليّة.. قطف عن الطريق أقحوانة بريّة.. وسار نحوها بشجاعة..
اقترب منها.. أكثر فأكثر.. مشى بثبات.. أكثر فأكثر.. تباطأت خطواته.. اقترب.. وواجهها..
تسمّر مكانه.. ابتلع ريقه مع كلّ الكلمات..  فحاول أن ينقذ نفسه بابتسامة..
دام الصمت زمننا..
حتى قالت له:
هاي.. ما بالك؟ تقف هكذا وتبتسم ببلاهة.. هل أنت أحمق؟

(2)
اتكأت بيديها على حافة السور العريض.. وألقت ببصرها تنتهك حرمة الجوار..
الآن قد جاوز جسدها السور طولاً..
كم كرسياً جرّت في الماضي كي ترتفع قليلاً.. وتسرق نظرة..
كانت تحبّ النظر إليه..
كانت يافعة.. وكان هو رجلاً..
تأوّهت.. ثم قالت:
خسارة.. أنا اليوم كبيرة بما يكفي.. وهو.. قد سبقتني إليه أخرى..

(3)
أدارت رأسها بعصبية وفي كل الاتجاهات.. بحثت عنه بين المارّة وخلف زجاج السيارات..
دقّ الهاتف..
حبيبي.. أين أنت؟ أنا عند البوّابة..
أوه حبيبتي.. أنا آسف.. لن أستطيع المجيء. العمل كثير.. استقلّي سيارة أجرة..
لوحدي!! في هذا الليل..
هههه.. نعم لوحدك.. سافرت وحدك كل هذه المسافة.. لا تقولي لي بأنك خائفة!
أغلق الهاتف بسرعة ولم يدع مجالاً للردّ.. أمّا هي.. فوقفت مصدومة..
لحظات حتى أفاقت.. ثم قالت:
اللعنة! منذ متى صار يعاملني كرجل؟
(4)
لا أكاد أشعر بساقي.. منذ متى وأنا واقفة؟ ساعتان؟ كم نداءً لبّت؟ كم حقيبة جهّزت؟ وكم عراكاً فضّت؟
ألقت بنفسها على الأريكة.. فأخذ الألم يتسلل لكل مكان.. آخ يا رأسي.. آخٍ يداي وساقاي ويا عيني ويا أذني..
حاولت أن تسترخي قليلا.. شعرت ببعض الدفء يتسلل عبر النافذة.. مدّت يدها وفتحت النافذة فتدفقت الشمس بقوة أكبر.. وعبر إليها صخب المارّة ومزامير السيارات.. كان بعيداً ورقيقاً.. كترنيمة جميلة..
حسناً.. ماذا لو أغمضت عينيّ؟ قليلاً فقط.. أو كثيراً.. هل علي أن أعدّ الطعام اليوم؟
سأنام قليلاً.. نعم.. أشعر بالنعاس.. إنني أطفو وأبتعد.. إنني أهذي..
إنني أحلم..
هناك صراخ.. هناك بكاء.. هل أحلم؟ نعم.. أحلم بطفل ينادي.. هل هناك طفل ينادي؟
نعم.. هناك  طفل ينادي.. إنه طفلي أنا..
رفعت ظهرها بفزع.. وفتحت عينيها..
تذكّرت أنّ لها وليداً..
أطلقت من أعماقها زفرةً ودفنت رأسها بين كفيها.. وبكل الأسى قالت:
نعم. هذا ما كان ينقصني!

(5)
قالت لي:
ما أصعب فقد الأب.. ما أصعب فقد الأب.. كان سبباً لوجودي.. كان قوتي زمن ضعفي.. كان شمسي.. كان قمري..
كان هذا منذ عشرين عاماً.. وكانت تذوق الفقدان للمرّة الأولى.. 
بالكاد مرّت بضع سنين حتى قالت لي:
ما أصعب فقد الأخ.. ما أصعب فقد الأخ.. كان أبي وأمي.. كان عوني كان سندي.. كان عشيرتي الأقربين..
بكت وتألّمت.. صلّيت من أجلها كي لا تخسر أحداً بعد.. حتى كان الأمس.. حينها قالت لي:
ما أكبر فقد الزوج.. ما أكبر فقد الزوج.. كان أهلي بعد أهلي.. كان يومي.. كان أمسي.. كان عمري.. كان حبي..
آهٍ كم تبدو حزينة.. وكم أخشى عليها أن تحيا أكثر.. فتفقدني..
ترى..
كيف يكون فقدان الابن؟

11‏/01‏/2013

جدار الانتظار

شعر| محمود التل

يا حبيبي !!
كل عام نلتقي يوماً فقط
عندما ألقاك أنسى أننا
كنا افترقنا لحظةً
ونظنّ أنّـا
بعد هذا اليوم قد لا نفترقْ
وتمر لحظات الزمان بنا كبرق ٍ
أو كقلبٍ يحترقْ
فمتى يدوم لقاؤنا ؟
ومتى يدوم بقاؤنا ؟
فإذا التقينا ؛
نحسب اليوم التقاءً دائماً
بل نحسب اللحظات عمراً خالداً
ونعدد الأيام يوماً بعد يوم ٍ
كلما تمضي تباعا
نسهر الليل ونقضي بعضه شوقاً
وبعض الليل حزناً والتياعا
نلتقي.. فأقول أهلاً
تارة نلهو ونضحك
ثم نبكي تارةً أخرى
ويغدو كل شيء ٍ
في أمانينا صراعا
ثم أنسى أنني سأقول كرها
بعد ساعات وداعا

يا حبيبي !!
كم مضى منـّا
وكم يبقى وهذا العمر يمضي
مثلما تمضي رياح الصيف ناراً
لا بها غيـث ٌ
ولا تهدي شراعا
قد تأملنا كثيراً
فانتظرنا
وانتظرنا
علّ هذا العمر لا يمضي ضياعا
ربما أنـّا سنبقى
مثلما يوماً بدأنا
لا نرى في الحب فصلا
غير ما كنا رأينا
قد يئسنا
وتعبنا
من لقاء
لوداع
وانتظارْ

يا حبيبي !!
كم تساءلنا كثيراً
كم تواعدنا كثيراً
هل سنبقى في عذابٍ ؟!
هل سنبقى في لظى الأيام نـُحرقْ
في بحور الشوق نغرقْ
هل سنبقى في فراق ٍ
لا بقاءٌ
لا وجودٌ
لا قرارْ
هل سنبقى كل عام نلتقي يوماً
ونبقى تائهين وحائرين
معذبين بقسوةٍ
ومعلّقين على جدار الانتظار ؟!

03‏/01‏/2013

كيف؟


كيف ممكن تحطم أيقونة جماليّة عاشت من آلاف السنين وركعت القياصرة على بابها؟






صباحكم فل من وسط البلد - إربد