15‏/08‏/2010

...فرضيات

ليش لما دخلت المكتبة أشتري دفتر أعطاني صاحب المكتبة دفتر زهري مرسوم عليه ورد وبيبي؟ ليش افترض بما إني بنت لازم يكون الدفتر زهري؟ طيب أنا بكره اللون الزهري وعمري ما لبسته وما بتهمني الورود وعندي حساسية تجاه أي بيبي. طيب مش ممكن يكون بدي دفتر لونه برتقالي أو أخضر ومرسوم عليه تاج محل أو كرة سلّة أو عائلة سيمبسون مثلاً؟ 

ليش لما دخلت محل لل DVDs تكرّم البياع ودلني على قسم الأفلام الرومانسية؟ وليش افترض إني جاية مخصوص للأفلام الرومانسية؟ أنا أصلاً كنت جاية أشتري فيلم (Sweeny Todd) فيلم كئيب و دموي أو أي فيلم ل Johnny Depp لأنه ممثلي الفضل.

وليش لما دخلت المطعم أنا وأختي حكالي الجرسون: إيش طلبك مدام؟ وحكى لأختي بابتسامة واضحة: إيش طلبك يا صبية؟ وليش افترض إني أنا خالتها وهي صغيرة مع إنه فرق العمر بينا لا يذكر؟
يمكن لإني محجبة بجلباب وهي محجبة ببلوزة وتنورة عالموضة؟
على فكرة، هاي ما كانت المرة الأولى اللي بيعملي فيها الجلباب أزمة هويّة، فبالعادة الناس بتفترض تلقائياً إني رجعيّة أو معاقة ذهنياً أو مغلوب على أمري أو حتى بيئة! 
طيب ليش ما حدا افترض إني اخترت الجلباب بناء على قناعة وقرار شخصي 100% لإني عندي عقل بيفكر وبيوزن الأمور وصاحبة قرار وهاد اللي صار فعلاً؟

دخلت محل للألبسة أنا وأختي - نفسها المذكورة أعلاه - لنشتري فستان حفلة علشان مناسبة عائلية وعجبها فستان، فنادينا البيّاع علشان نسأل عن المقاسات، فحكالنا باستهجان: بس هاد الفستان غالي ب 80 دينار! طيب ليش افترض إنا ما معانا 80 دينار أو إنّا مش خرج نشتري هيك فستان؟ إيش كان لازم نعمل يعني؟
يمكن كان لازم ندخل عليه لابسين جينز ورافعين شعرنا بالنظارة الشمسية ونحكيله (Hi, cool, wassup) ليقتنع إنا بنقدر نشتري فستان سعره 80 دينار؟
طبعاً أختي ما مشتله إياها وعلى طول (طسّته) وحكتله: شو قصدك ما معانا فلوس؟ بدك هسه افتح الشنطة وتشوف المصاري علشان تقتنع إني بقدر أشتريه وأحسن منه كمان؟ ولا مفكرنا عميان مش شايفين بطاقة السعر؟
طبعاً صار يعتذر ويحكي لا والله وسلامة خيرك، بس ليش كان لازم يحط حاله بهيك موقف؟
وإحنا طبعا رميناله الفستان بوجهه وما رجعنا دخلنا على هالمحل مرّة ثانية.

وليش بعض الناس بتفترض إنها أحسن مني وأرقى مني بس تعرف مكان سكني؟ إيش المعيار اللي بيعمل حدا أحسن من حدا؟ بصراحة أنا واجهت هاي الفرضية مع أحد العمّانيين - وأنا بعتذر بشدّة من أصدقائي المدونين والي أغلبهم بيسكن بعمان وأنا بحبهم جدا وبحترمهم جدا جدا وما بدي يفهموني غلط - بس ليش هالشخص  بيفترض تلقائياً بما إنه من سكان عمان فهو أحسن من سكان المحافظات الثانية؟   

ليش دايماً بنسعى إنا نفترض ونصنّف الناس ونلصق على جبهتهم بطاقة تعريف وإحنا ما بنعرفهم أصلاً ولا بنعرف دواخلهم؟ ومين أصلاً أعطانا الصلاحية لهيك إفتراضات؟
هاي الافتراضات مزعجة لإنها بتحط الناس بموقف تضطرهم فيه يدافعوا عن حالهم وكإنهم عاملين شي غلط!

أنا ما بطلب من كل واحد بتعامل معي إنه يستقرأ شخصيتي ويتفهمني علشان يعاملني صح، لإنه هالشي أكيد مش ممكن.
بس مش ممكن إنه صاحب المكتبة يحكي: هاي هي الدفاتر اختاري اللي بيعجبك، ومن غير ما يفرض علي رأيه؟ ومش ممكن صاحب محل ال DVDs يحكيلي: اتفضلي شو فيه ببالك؟ و جرسون المطعم يبدا جملته: أهلا وسهلا تفضلي شو طلبك؟ من غير ما يفرض علي الألقاب؟ مش ممكن صاحب محل الملابس يلبي طلبي ويساعدني وساعة الدفع إذا معي خير وبركة وإذا ما معي الإحراج علي لحالي؟ 
مش ممكن أبدا الحوار مع أي حدا بتعرف عليه جديد ب: أهلاً وسهلا، تشرفنا بمعرفتك. ومن غير أي فوقية أو امتعاض أو سلبية؟


09‏/08‏/2010

ذكور و إناث... ( قداسة )

" يولد الذكور في مجتمعنا وهم يرتدون ثوب القداسة، وكل ذنوبهم مغفورة وإن لم يقربوا كرسي الاعتراف. بينما تولد الأنثى في الخطيئة، وتقضي عمرها تدور في دوائر الشك والاتهام وتترافع عن براءتها علّها تستعيد روحها المسلوبة "

عندما تمر بسيارتك أمام منازلهم تعجبك حجارتها البيضاء ورتابة حديقتها وتلمح في فناء المنزل عائلة تحتسي القهوة وتقول في نفسك: يبدون سعيدين. فتحسدهم وتتمنى أن تكون مكانهم يوماً من الأيام.
عائلة تبدو مثالية، ذات سمعة محترمة، يبجلهم كل من يعرفهم، ولكن خلف هذه الأسوار تُروى قصة أخرى.

عائلة السيد عماد هي إحدى هذه العائلات. للسيد عماد زوجة، إمرأة لطيفة حسنة المعشر، وله أيضا أولاد ذكور وإناث. 
وقد أرسى السيد عماد منذ بداية حياته العائلية عدّة من القواعد للتعامل مع أبنائه. وفيما يرى البعض أن هذه القواعد هي عنصرية مطلقة، يرى السيد عماد أنها شريعة ونهج قويم.
ولن نتكلم عن أبنائه كلهم فلكل منهم قصة شرحها يطول، لكن سنحدثكم عن البكر "سارة" ومن يليها "عمر".

بدأت الحكاية منذ زمن طويل منذ أن سمحت الأم لكل منهما باللعب خارجاً في فناء المنزل. أراد عمر وسارة ككل الأطفال اختبار صبر أمهم فتعدّوا أسوار المنزل وخرجوا للعب في الشارع، لكن أمهم كانت متسامحة ونظرت إليهم بابتسامة وخلت بينهم وبين مؤامرتهم، وسرقت نظرة مطمئنة من شباك المنزل من حين لحين.
لكن سرعان ما انتقضت هذه الطمأنينة بصراخ السيد عماد. صرخ بغضب من وسط الشارع: " كيف بتطلعي البنت تلعب بالشارع ؟ ما تظبيها تلعب عندك جوّا بالدار".
وجرّ الصغيرة بقوة من يدها للداخل وأطلق تهديداً صريحاً بضربها إن خرجت للشارع مرّة أخرى. انتفض قلب سارة وشعرت بشعور غريب، لم يكن مصدر هذا الشعور التهديد ذاته لأنها لم تفهمه أصلا! لكنها بدأت ترعى في قلبها خوفاً ورعباً من صاحبه.
ما لم تدركه سارة بعد أن كثرة خروج البنت للشارع أمر محرّم ومدعاة لكلام الناس، هذه هي أحدى تشريعات والدها الثمينة والتي وجب عليها أن تبدأ بتطبيقها من الصغر لتعدادها في الكبر.
ومنذ ذلك اليوم لم تلعب سارة خارج أسوار المنزل ولم تذهب حتى للدكان بينما كان كل ذلك متاحاً لعمر، ومازالت سارة لا تفهم سبباً لذلك، فقد وجب عكس الحال، فقد كانت أكبر من عمر وأجدر بأن تحمل هذه الثقة، لكنها لم تدرك بعد بأنها خلقت أنثى، (( وليس الذكر كالأنثى )).  

ظنت سارة أنها إن كبرت سيتحسن الحال لكنه أفضى بأن يكون أسوأ!
عندما حان وقت المدرسة لُقنت سارة مجموعة من التعليمات عن أي طريق ستسلك وفي أي ساعة عليها أن تعود وبرفقة من ستذهب من بنات الجيران.
وفي أحد الأيام تأخرت سارة قليلاً عن وقت العودة، ساعة من زمن رافقت فيها صديقاتها للمكتبة لشراء بعض الملصقات لأبطال الكرتون وللدكان لشراء المثلجات، ورجعت للمنزل بابتسامة سرعان ما مسحتها صفعة على وجهها من أمها تليت بضرب طال جسدها كله كان كفيلا بأن يعلمها أن لا تتأخر مرة أخرى.
ولم تفهم سارة حقا ما الذنب الذي اقترفته، خاصة وهي تشاهد عمر يلعب بالكرة خارجاً مع أصدقائه كل يوم حتى تغيب الشمس دون أن يوبخه أحد أو يضربه أحد.

عندما أرادت سارة أن تشارك فتيات العائلة في ليلة مبيت في منزل خالتها عارض والدها الأمر بشدة، فياللعار! " ما عنا بنات بتنام بره الدّار".
وشيئاً فشيئاً لم تعد تملك الصديقات، فالصداقة تتضمن الزيارة والمشاركة، وياللعار! " شو بدهم يحكوا عنا الناس؟ بناتنا ليل نهار بتلف من دار لدار".
وبدأت سارة شيئاً فشيئاً تكتسب شعوراً بالشك والاتهام المزمن، بل بدأت تظن أنها هي العار بذاته!

ارتدت يوماً ثياباً جميلة وتحلت بأحلى حلّة لترافق أمها لزفاف أحد المعارف، فاصطدمت أمام الباب بعمر، الذي ما كان منه إلاّ وقد أصدر القرار بأن تعود سارة للوراء وتغير تلك الثياب وذاك الحذاء، فبالنسبة له لم يكن أي منها مناسباً ولم يكن يعكس وجهة نظر احترام العائلة، وعندما تجرّأت سارة على الرفض عادت أدراجها للداخل جرّاً وضرباً على مرأى ومسمع من أمها - تلك اللطيفة حسنة المعشر - والتي سعت لفضّ الخلاف لكنها لم تستطع أن تدفع عمر ليعدل عن قراره.
توجهت سارة لأبيها شاكية باكية، ولكن مم ستشتكي؟ أتشتكي تجرأ الأخ على ضرب أخته التي تكبره؟ أم تشتكي تدخله في أمر وجب على الوالدين لا على الإخوة أن يحسموه؟
واكتفى الوالد بتعنيف الولد، بينما خالجه شعور طيب، فقد أصبح ابنه الآن مسؤولاً وقوّاماً، لقد أصبح نسخة عنه، وأي فرحة تنتابه وقد صار ذاك الشبل من ذاك الأسد.

تستمر الحياة وتمر فيها الأيام على سارة ثقيلة مضنية، والآن تتأهب سارة للذهاب إلى الجامعة، وقد تفضّل والدها واشترى لها طلب الانتساب، وليس هذا وحسب! بل تكرّم بأن يسمح لها باختيار التخصص الذي تريد.
امسكت طلب الانتساب وبدأت تقرأ أسماء التخصصات والجامعات وعليها الآن أن تقرر. قد حصلت على معدل جيد جداً يوفر لها الكثير من الخيارات لكن عليها أن تكون حذرة! فعليها أن تختار أقرب جامعة وإلا ألغى الوالد الفكرة برمتها، وعليها أن تختار تخصصاً أكاديمياً بسيطاً، على الأغلب ستنتهي فيه كمعلمة وهذه هي الوظيفة الوحيدة التي سيسمح لها بأن تشغلها مستقبلاً، عليها حقاً أن تكون حكيمة في اختيارها، وعليها أن تفرح لما وصلت إليه، أولا يكفي أن وافق والدها على ذهابها للجامعة؟ فسينفق أبوها مالاً لتعليمها وسيذهب هذا المال هباءً منثوراً، فتعليم البنات مضيعة، وكيف لا؟ وهي ستنتهي لبيت زوجها وستعود ثمار تعليمها عليه.
لم تكن الجامعة ممتعة حقا، بل كانت تشبه كثيرا أيام المدرسة، فتذهب سارة في وقت محدد وتعود في وقت محدد وعلى أمها أن تراقب التوقيت جيداً، أما أبوها فقد حسب أجرة المواصلات بدقة فائقة وحدّد لسارة مصروفاً ينتهي بالضبط مع انتهاء الأسبوع لا قرشاً أكثر ولا قرشاً أقل، وكأنها كانت سترتكب كبيرة إن فاض مصروفها فيضاً يسيراً!

عامان فقط والتحق بها عمر إلى الجامعة، وفرحت العائلة به فرحاً شديداً وأقامت الاحتفلات، ولو استطاع والده أن يطلق مدفعاً كمدفع الإفطار من فوق المنزل لفعل لفرط فرحه وتهليله، وقد كانت الخيارات مفتوحة أمام عمر وليدرس ما يشاء، حتى لو اختار السفر للخارج، فنقود أبيه موجود من أجله، فهذا هو الولد فرحة الوالدين وعوضهم من الدنيا.
لكن عمر لم يكن يقوى على الغربة واختار الدراسة المحلية بين أحضان والديه، وفور وصوله الجامعة نجح في تكوين شعبيّة صارخة، قد كان عمر مرحاً جداً وكريماً جداً، وكان الرفيق الأمثل للرحلات وعزائم المطاعم وجلسات السهر حتى الفجر. وتمتع عمر في الجامعة قدر استطاعته، بل كانت الجامعة أمتع أيام حياته، واحتاج وقتاً أطول من غيره ليتخرّج لكن لم يناقش أحد خياراته، فقد كان عمر قدّيساً وكل أفعاله صائبة وكل قراراته محترمة.
كل هذا وسارة تراقب عن كثب، والبركان يتعاظم في داخلها وتقول لنفسها " يا ليتني لم أخلق أنثى...".

تخرّجت سارة من الجامعة وشرعت فوراً في البحث عن عمل لتجد حجّة تخرج بها من المنزل وتنقذ نفسها من الخدمة المضنية لساكنيه. ولكن وقبل أن تجد عملاً باغتها أوّل الخاطبين.
الخطبة؟ ليست الخطبة بالأمر الهين! ستمر الخطبة على سارة ثقيلة مضنية ككل أيام حياتها، وستجد نفسها في محاكمة طويلة جداً لتثبت أنها أهلٌ لها.

تبدأ الجلسة الأولى دوماً بالزيارة النسائية، وترتدي سارة ثياباً جميلة وتمشط شعرها وتدخل غرفة الضيافة وتبتسم، وشيئاً فشيئاً تنقضي الابتسامة ويحمرّ وجهها ويتصبّب العرق وتشعر بالإحراج الشديد، ألف عين وعين تحدّق بها وكأنها كائن طفيليّ تحت المجهر، أم العريس وخالته وجدته وأخواته وزوجات أخيه وجارتهم أم علي، جميعهن في منافسة حادّة للتحديق من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين.  
شعرت سارة بأنها تذوب ولم تعد تسمع شيئاً أو ترى شيئاً، وبدأت تشعر بالغثيان وكادت تسقط حتى أيقظتها كلمات أم العريس " إحنا يا أم عمر جينا نخطب بنتكم علشان سمعة أبو عمر الطيبة".
عن أي سمعة طيبة يتحدثون؟
لكن عناء الجلسة أتى بثماره فقد نالت سارة إعجاب هيئة المحلفين وتم تحديد موعد الجلسة الثانية.

في هذه الجلسة يتواجه الطرفان، سارة والعريس، وتستمر منافسة التحديق لكن مع متسابقين جدد هذه المرّة، وتجلس سارة صامتة بعد أن صدرت التوجيهات لها بأن تبقى في الغرفة 15 دقيقة لا غير لتتعرف شكل العريس، وتترك مهمة المرافعة واستجواب شخصه المصون لوالدها.

وانتهت الجلسة على خير، وتم تحديد موعد الجلسة الثالثة ولكن بعد أسبوع، وهذا الأسبوع هو الأهم، تشرع فيه العائلات بالتمحيص الدقيق في شخص الآخر، وقد أظهرالعريس إبداعاً منقطع النظير إذ لم يترك باباً إلا وطرقه، سأل عن سارة عند الجيران والأقارب والأصدقاء، حتى أنه تتبع زميلاتها أيام الجامعة ليتحقق من سلوكها القويم. ولم يفلح في أن يجد زلّة واحدة  كانت سارة قد اقترفتها فنالت بذلك حكماً محققاً بالبراءة. 
ومن جهة أخرى أبدع والد سارة في السؤال، وتحقق من نسب العريس وعمله وماله وسلوكه ليصل إلى نتيجة مفادها بأنه عريس جيد. 

والآن أعطيت سارة الفرصة لتفكر وما هي إلاّ أيام قليلة حتى اتخذت قرارها بالموافقة. وبذلك تكون حياة سارة قد وصلت لخط النهاية، فالزواج هو أقصى ما تحلم به وأقصى ما ستتمكن سارة من تحقيقه.

لكن هل اتخذت سارة القرار بناءً على الأسباب الصحيحة؟ بالطبع لا، فعندما شرعت سارة بالتفكير وجدت في الخاطب طوق النجاة من أبيها وإخوتها، فهو تذكرة سفرها نحو الحريّة، فبعد الزواج قد تخرج كما تريد وتتصرف كما تريد ولن تعود مراقبة أو متهمة.

وماذا بعد؟ وكيف تنتهي الحكاية؟ على الأغلب ستصبح سارة مستكينة كأمها وستعامل بناتها كأبيها فهذا ما تربت عليه وهو أقصى ما تعرف، وعلى الأغلب سيكون زوجها امتداداً لأخيها فكل ذكورنا يربّون بنفس الطريقة، وسنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة للأبد.