24‏/06‏/2010

أسود . . . أبيض . . .

كنا صغاراً نلعب وسط الطريق، كان المارون يسرفون بالثناء على بنت الجيران ويشيحون بأنظارهم عني، خافوا جرح مشاعري واكتفوا بالصمت وأتموا المسير. ركضت نحو المرآة ونظرت، فأدركت. كنت أنا سمراء، سوداء الشعر والعينين، وكانت هي شقراء.
سألت أمي لم كان علي أن أكون سمراء؟ قالت أمي: الذنب ذنب الباذنجان. أكثرت من أكله إذ كنت حاملاً بك. فبت أكره الباذنجان ولم أعرف طعمه وأعشق الحليب والألبان.

في الطفولة حدّثوني عن قصة البطة السوداء، كم كانت قذرة وقبيحة، ونفر منها الجميع، كبرت لتصبح جميلة، كبرت لتصبح بجعة بيضاء.   

في المدرسة علمونا قول الشاعر: الظلم ليل (أسود) ... والحرية فجر (أبيض)...
وفي الامتحان قالت المعلمة: أجيبي بنعم أو لا. لم يعطوني مجالا للشرح أوالتفسير... هي إما إجابة جميلة أو إجابة قبيحة.

وشيئاً فشيئاً تعلمت أن لابد للجمال أن يكون (أبيض) ولابد للقبح أن يكون (أسود). يجب على العالم أن يكون إما بالأبيض أو الأسود.

قالت أمي لا ترتدي الأسود، ما كان له إلا أن يزيدك قبحا... الأسود لون الموت... والأبيض ثوب الشهداء...
القلب الطاهر أبيض... والقلب الحاقد أسود...
الحرية والسلام حمام أبيض... والشؤم غراب أسود...
العبيد سود... والأسياد بيض...

شيئاً فشيئاً علّموني التطرّف، لم أعد أرى شيئاً إلا طرفي نقيض، هو إما أبيض أو أسود. علّموني العنصرية والسطحية وسوء الحكم على الأشياء.

مشيت في البراري ورغم كل الألوان حولي لم أعد أرى منها شيئا، واجتهدت في البحث عن أي نقطة سوداء أو بيضاء فيها مهما قلت أو دقّت. ومشيت في البراري حتى رأيتها، تقف وحدها واثقة صامدة ترتدي الأسود. ركضت نحوها مغاضبة وقلت لنفسي تلك القبيحة كيف تجرأ؟
أردت اقتلاعها من جذورها وما أن اقتربت منها أوقفتني بصرخة فزعة: أو تكرهينني؟
وقفت ولم أحرك ساكناً ونظرت إليها، ضربتني هيبتها، براءتها وعذوبتها. أعادت السؤال وقالت: أو تكرهين السوسنة السوداء؟ قلت لها: لا لا، بل أنت زهرة جميلة جميلة، وانهمرت دموعي وخارت قواي، ما عادت قدماي تحملاني فسقطت، أجهشت بالبكاء وأغرقتني دموعي، وصرخت! دعوني وشأني أريد أن أعرف ما خلف الأشياء، ما كل ما استقبحتموه قبيح ربما الخير خلف ستارة سوداء.
وبعد حين استشعرت السكينة، وفتحت عيني والآن ارتد لي البصر. أريد الآن أن أنظر إليكم وأحضنكم وأحدثكم وأعرفكم وبعدها سأقرر وبعدها سأحكم.

مدّت يدها نحوي تريد أن تنتشلني ؤسألتني: هل أنت بخير؟ قلت لها: نعم . الآن فقط أصبحت بخير.

 قبل أن تبادر بإصدار الأحكام
قبل أن تتخذ القرار بأن تكره أحدا ما أو تحبه
 اسأل نفسك
هل قابلته حقاً؟


18‏/06‏/2010

Fw: تاج الأسرار

مسا الخير:

مياسي اللطيفة كلفتني بهالواجب وهو : " تحدث عن ستة أسرار قد لا يكتشفها من يقابلك للمرة الأولى "
والهدف هو توطيد العلاقات المدوناتية.

ولإني طول عمري خوّيفة وما بسترجي ما أعمل الواجب، إليكم الحل:

1. أنا مخلوق غير اجتماعي ما بحب كثرة الزيارات والضيوف والتجمعات وخاصة العائلية.

2. بحب الليل أكثر من النهار، وما بخاف العتمة، وأغلب أعمالي زي القراءة والكتابة في مدونتي بنجزها بالليل .

3. شخصيتي المفضلة ومثلي الأعلى في الطفولة هو " روبن هود "، بالنسبة للبعض حرامي بس بالنسبة إلي صاحب مبدأ.

4.  بكره و ( بشدّة ) مشاركة أغراضي الشخصية، وعندي استعداد أتخلص منها لو استعملها غيري.

5. مدمنة على القهوة وخاصة القهوة العربية السّادة، وبعشق الكيك ومستعدة آكل نص القالب في ليلة، وبالمقابل بكره المشروبات الغازيّة بكل أنواعها وبكره البوظا والكنافة وما بطلبهم لو غابو عني سنة.

6. ما عندي فوبيا من الحشرات، وعندي استعداد أجلس في حديقة بيتنا لساعات والنمل يسرح جنبي والعناكب وأم علي والسحلية، عادي جدا، أنا وياهم أصدقاء. 

هيك أنا أنجزت الواجب، والمفروض إني أمرره لستة غيري من المدونين، بس بصراحة ما ضل عندي خيارات كتير، مياسي سبق وبعثت لرولا وهيثم ونيسان،  وأنا راح أختار:

15‏/06‏/2010

ما هي قمّة الكيل بمكيالين؟

أتدرون ما هي قمّة الكيل بمكيالين؟

إني أكون موظفة حكومية لمدة 6 سنوات وراتبي البائس ما بيزيد غير دينارين كل سنة تحت بند "الزيادة السنوية". أنا ما بنكر أبدا إنه هدول الدينارين بيعطوني أمل كبير بالحياة، وأحلى شهر في السنة كلها هو شهر كانون الثاني - بداية العام - واللي بتنزل فيه هاي الزيادة، والله بعمل الهوايل فيهن. فمثلاً، بعد ما استلم راتبي من البنك برجع عالبيت بتكسي بدل ما أركب بالباص!.   

القصة بدت بشهر كانون الأول الماضي 12/2009م، كان راتبي بالزبط 281 دينار و 72.5 قرش، ولما إجا موعد الراتب الجديد في شهر كانون الثاني 1/2010م، انطلقت للبنك الواقع في وسط البلد، وكنت بيّتت النية بإني أخلي هاد الشهر إحتفالي. برجع عالبيت بالباص هاي المرة، بس بشتري بالزيادة السنوية وجبة شاورما عربي للإحتفال.
وقفت قدام ال (ATM) وأنا بتوقع يظهر لي عالشاشة 283 دينار وشوية فراطة، بس اللي ظهر خالف كل التوقعات. فتّحت عيوني وبحلقت، وشهقت شهقة عالية عالية، وتسارعت دقات قلبي، وصرت أرجف، أصابعي بترجف وكل جسمي بيرجف، وللحظة حسيت راح يغمى علي، لأنه الرقم اللي طلع عالشاشة كان 287 دينار و 34.2 قرش، يعني الزيادة على راتبي ما طلعت دينارين، طلعت 5 دنانير و61.7 قرش بحالهن.
ما صدقت عيوني! أكيد مخربطين معي، بس والله أحلى خربطة، وبعدين شو شاورما عربي يللا ع البيتزا هت!!

طبعا، ظليت مصدومة يومين ومش عارفة أحكي لحد، خفت إن حكيت يحسدوني أو يفسدو عني للحكومة فترجع الحكومة تاخد ال 3 دنانير فرقية.
بس وأنا بالشغل سمعت طراطيش كلام، إنه كل الناس زايدة رواتبها عن المتوقع هالشهر، طبعاً أنا أنكرت إني بعرف شي عن الموضوع، وسألتهم: خير يا جماعة شو صاير؟
حكولي: شو ما دريتي، مش الحكومة ألغت ضريبة الدخل. أتاري هدول ال 3 دنانير يا جماعة بدل ضريبة الدخل كانت "تقتطع" من رواتبنا كل شهر، يعني لا خربطة ولا شي. بس والله فرحة ما بعدها فرحة. - لو سمحتو ما حدا يسألني شو ضريبة الدخل لإني ما بعرف، فعلى الرغم من كل المعرفة التي تدّعيها الآنسة كيّالة، أمام المسميات الضريبية تنهار كل المعارف -.

بعد هادا كله بتيجي أختي الصغيرة ( الفصعونة ) اللي اتخرجت مبارح، وما الها غير سنة وحدة بس بتشتغل بشركة اتصالات خاصة بعمّان وبتحكيلي: " باركيلي، مبارح في الشركة أقرّوا الزيادة السنوية، وراح يطلع لي 150 دينار زيادة على راتبي الشهر الجاي ومش بس هكيك، المدير مبسوط مني كتير ووعدني إنه يرفع لي نسبة الأرباح اللي باخدها على كل مشروع بشارك فيه". 
يا جماعة أنا زي اللي انخبطت 17 كف على بوزي و 17 طيّارة على رقبتي.
طيب ليش ليش ليش، آه ليش، ليش تاخد كل هاي الزيادة ليش؟؟؟ شو عندها وما عندي؟ مش النا نفس الأم والأب، وبناكل على نفس الطاولة وبتنام معي بنفس الغرفة؟؟ ما بيكفي انها أول ما اتخرجت اشتغلت براتب 450 دينار وهسه مع الزيادة راح توصل 600 دينار، صحيح ما فيه عدالة.

ما تفكروا إني حاقدة أو غيرانة لا سمح الله، أبدا أبدا، بس والله إشي بسطح!!!
أنا كل سنة بس ينزل الراتب الجديد بنزل حسابات بالقرش والتعريفة، صرت أفكر كم سنة بدي علشان يوصل راتبي ل 300 دينار، لقيت إني بدي كمان 6 سنين زي اللي قطعتهم، وهالفصعونة حصّلت ضعف أحلامي بسنة وحدة بس!!!

تاني يوم رحت لأقدم موظفة عنا في الغرفة وسألتها:
- " أم علي، كم سنة معك خبرة؟ "
- " 31 سنة "
- " طيب، وكم راتبك؟ " 
- " 550 دينار، بس بعد ما أتقاعد راح  يرجع راتبي لل 350 دينار، لإنه فيه كثير علاوات و زيادات على رواتبنا بتروح كلها بعد التقاعد. "
؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟
هاي المرة انخبطت 6849321 مليون كف على بوزي. يعني حتى بعد أكثر من 30 سنة ما بحصّل نص اللي بيحصله ابن الشركات.

وبعد هيك بتكتب الجرايد " هل نحنُ شعبٌ عنيف؟ ". أصلاً من هنا تبدأ الجريمة !!

بس فعلا، الناس مقامات، في ناس بتظلها عايشة بالقاع وناس بترتفع بالعلالي بسرعة، هيك ربنا كاتبلهم. صرت أتخيل حالي بعد 10 سنين وأنا لسّه بعدّ القروش قبل ما أطلع بالباص، أو يمكن أكون قدرت اشتري سيارة كِيا معفنة موديل 1981م، وأختي راكبة كابريس أو جيمس وكالة.

بس ما تظنوا فيّ السوء، بتظلها أختي وبحبها، أصلاً هي رفيقة دربي لسنوات، فبعد ما تزوجوا خواتي الكبار وطلعوا من البيت، ظليت أنا وهي فترة طويلة سوا، وبنتشارك بكثير من الذكريات الحلوة.
وبعدين ما تخافوا على كيّالة، راح أعرف أستغل هاد الفرق الطبقي كتير منيح، راح أستلف من أختي في كل مناسبة وكل ما احتجت وماراح أرجعلها بحجة الفقر والعوز، ( مش هيك كل الأخوة بعملوا، بياخدوا وبيغطرشوا) وأنا عارفة إنه قلبها طيّب وراح تحزن عليّ وتسامحني.

بس يا جماعة، والشيء بالشيء يذكر، فيه سؤال محيرني من زمان. من سنتين سمعت محمد الوكيل بيحكي في برنامجه (( بصراحة مع الوكيل )) إنه وزارة التنمية الاجتماعية حدّدت خط الفقر للأسرة الأردنية ب 500 دينار شهرياً، طيّب أنا بالراتب اللي باخده شو بيكون تصنيفي؟ أنا حاولت أفكر بتسمية توصفني وما عرفت، يا ترى حدا فيكم بيعرف؟؟؟

08‏/06‏/2010

من الرَّجُل ؟

إن سألتني من هو الرَّجُل؟ أقل لكَ هذا سؤال تصعب الإجابة عليه، إنه سؤال جدلي، بحاجة للتفكير والتمحيص، تتعدّد فيه وجهات النظر وتتناقض. لكنّني في النهاية سأعطيك إجابة شافية، فلن تجد إجابة أبلَغَ من إجابة تعطيها لك امرأة، فأنت مهما اجتهدت في وصف نفسك ما كنت لتقارب الوصف الذي يعطيك إياه غيرك.

لأجيبك سأقول إنّ الرَّجُلَ ( لغةً ) هو الذكر البالغ من بني آدم، هكذا قالت قواميس اللغة، لكنها إجابة مختصرة جداً بل هي إجابة قاصرة، بل أظنها ليست إجابة أصلاً.
لأجيبك سأقول إنّ الرَّجُلَ ( اصطلاحاً ) - وهو ما تعارف عليه القوم واتفقوا - هو كل ذكر بالغ، ممن علا صوته وساء لفظه واغترّ بنفسه، من دنت أخلاقه وضاعت مروءته و سُحِقَت شهامته، ضعيفٌ منافقٌ ينقضُ العهد، لئيم، تافهٌ ذو سخافةٍ فاقدٌ للرأي والمشورة. 
ستقول لي ويلك! ما هكذا يكون الرجال! فأقول لك بلى. قد نظرت حولي للرجال لأجيبك وهذا ما وجدت.

وجدت محمداً الذي يبدأ نهاره كل يوم بالصراخ على زوجه وأطفاله، حتى إذا بلغ مبلغه من الغضب والانزعاج، بدأ محمد بسَبّ ربّه وسبّ محمدٍ رسوله. وهكذا يكون محمدٌ قد وصل لأقصى درجات الرجولة في حدّ تقديره.
وجدت علياً الذي يستحضر رجولته بضرب أخواته إن رفضن استعباده لهنّ وتسخيرهن لخدمته.
وجدت عبدالله الذي ينام نهاره ويسهر ليله في المقهى بين الشيشة وطاولة النرد ولعب الورق، ويعتاش كائناً طفيلياً على راتب زوجته، وقد كان يمتلك عملاً من قبل لكنه فقده بعد حين، وكم أكثر الشكوى من شدّة العوز وقلّة الحال لكن تأبى رجولته أنّ يكدّ للخلاص مما هو فيه، فيهرب للنرد والورق، تاركاً خلفه جاريته أو زوجته - فكلاما واحد ولا فرق بينهما هذه الأيام - لتكدّ في العمل ليلاً نهاراً داخل المنزل وخارجه وتربي أبناءهما وحدها.
وجدت أحمدَ الذي لم يصم رمضان يوماً، فأحمدُ لم يستطع يوماً أن يتوب من عاهرته النحيلة سليلة عائلة " مارلبورو ".
ووجدت عمرَ راقصَ المدينة، والذي لا يتوانى عن هزّ الخصر والتمايل مع كل لحن وفي أي مناسبة ومع أي مطرب، وهو دوماً الأول على درجات المهرجان. حتى أنني أخطأت يوماً فظننته أخته، بعد أن طال الشعر وعذُبَتِ الكلمات وتجمّل بالإكسسوارات. 
ووجدت معتزَّ الذي لا تكتمل رجولته دون سكينه إلى جوار خصره، حتى إذا ما نادى المنادي أن يا شباب الجامعة هلمّوا إلى القتال، أخرج سكّينه ونحر صديقه، عندها فقط يستشعر معتز قوته وتكتمل رجولته، ويغدو هذا القاتل رجلاً يذود عن الشرف والرجولة.
بعد كل هذا إيّاك أن تعترض، أليس هؤلاء هم رجالنا ؟!!

 لكن مهلاً، حتى أنا لا أقبل بهكذا إجابة ولا أرضى بأن يكون هكذا الرجال، إذاً فهذه ليست إجابةً أيضاً، وهؤلاء الذين وصفتهم لك ليسوا بالرجال.
 نعم ليسوا رجالاً، وإن كنت كالسابق ذكرهم وتنطبق عليك صفاتهم فأنت لست برجل.
لكنّك بالتأكيد ذكر، نعم، ويثبت ذلك الناحية التشريحيّة والوظيفيّة لجسمك، ويثبت ذلك قدرتك على الإنجاب، لكن ولتعلم أنّ ذكورتك وفحولتك وحتّى خشونتك لا تعطيك حق الرجولة أبداً. 

أقول لك إنّ الرَّجُل ( حقيقةً ) هو من استكمل صفات الرجال ولم يكتف بالذكورة التي تفرّق بين الرجل والمرأة. وإن قلت لي أنّى لكِ هذا ؟ قلت لك إنّ معي أقوى شاهدٍ ودليل.
هيّا هلم معي ولنفتح كتاب الله، ولتبحث عن كلمة رجل، لن تجد هذه الكلمة إلاّ بجوارِ صفةٍ محمودةٍ وموقفٍ نبيل.

أوّلُ هذه الصفات وأهمّها وأقواها هي الإيمان، الإيمان الحقيقي واليقين، لا الادعاء والاكتفاء بأقل القليل؛ فالصلاة وحدها مع صيام رمضان ليست إيمانا كاملاً، ولتقرأ قوله تعالى : ( رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ اللهِ وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ يخافون يوماً تتقلَّبُ فيه القلوبُ والأبصار ). 

من صفات الرّجال الشهامة والمروءة والمواقف والرأي الحسن، ولتقرأ معي ( وجاء رجلٌ من أقصى المدينةِ يسعى قالَ يا موسى إنَّ القومَ يأتمرون بك ليقتلوك )، ولتقرأ أيضاً ( وقال رجلٌ من آلِ فرعونَ يكتمُ ايمانه أتقتلون رجلاً أن يقولَ ربِّيَ الله ). فهذان رجلان وُجِدا في حياة موسى الرجل النبي الكريم، الأول شهم وقف معه موقف حق وأشار عليه بالرأي السديد، والآخر دافع عنه ولم يهب فرعون ومن حوله، وكان مؤمناً حقاً، فهكذا يكون الرجال.
وعندما حاور لوط عليه السلام قومه قال ( أتأتونَ الذُّكرانَ من العالمين ) فوصفهم بالذكورة فقط لأن هؤلاء المقبوحين لا يمكن لهم أن يكونوا رجالاً. وستجد في كتاب الله الكثير مما لا يتسع ذكره الآن لكنه كفيل بأن يقنعك.  

من صفات الرّجال العطف والإحسان، وهي أبلغ من الصلابة والخشونة، أتعلم لم سُمِّيت حَوّاءُ بهذا الاسم؟ لأنّها خلقت من ضلع حيّ، من ضلعك أنت، فأن تحنو عليها لا أن تقسو هو ما يزيدك شرفاً ورجولة. 
أوَ كنت تعلم أنّ العرب إن أرادت أن تفخر بامرأة نسبتها للرجولة؟ فقد كانت العرب تقول امرأةٌ رَجُلَة إذا تشبهت بالرّجال في الرأي والمعرفة. وفي الحديث ( كانت عائشة رضي الله عنها رَجُلَة الرّأي ).
وسأصدقك القول إني والله لأفخر إن نلت هذه الصفة، لكن عليك أن تكون رجلاً أولاً لأرضى أن أُنسبَ إليك. 

ثمّ بعد ذلك تسأل لم بُؤسُ الحياةِ وشقاؤها؟ أقل لك لأنك لم تعد رجلاً. تسألني لم الطلاق كثُر حتى خلنا أنه سيسبق الزواج يومًا؟ أقل لك لأنّك لم تعد رجلاً، فوالله ما من امرأةٍ عاقلةٍ تفرّط في رجلٍ حقيقي، لا والله. حتى أنني بتُّ أخاف الزواج وأتردّد، أخاف إن تزوجت يوماً أن لا أجده رجلاً، حينها والله سأموت غيظاً وقهراً، وأوصيكم أن تترحموا عليّ، وأن تدعوا لي بأن يأجرني الله في مصيبتي ويخلفني خيراً منها عنده في الجنة.

وتسأل لم هانت الأوطان ومتى تحرّر؟ أقل لك إنّها ستحرّر، فالله وعدنا ومن أصدق من الله قيلا، لكن كيف؟ سأخبرك، لا تركب أسطول الحريّة فقد فات الوقت وسبقك الرّجال إليه، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تخرج في مظاهرة، واسكت، وتوقف عن الترجّي والأمل، فقط كن رجلاً، فيدُ اللهِ مع الرّجال والنصرُ لهم، ولا نصر لأشباه الرِّجال والذّكورِ المتأنّثات.

فبالله عليك أخي إن لم تكن رجلاً من قبل أو لم تربّى على الرّجولة، فصر اليومَ رجلاً وتحلّى بصفات الرّجال، فإن لم تستطع فادّعيها علّها من كثرة الادعاء تصيبك في النهاية، أو علّك تعتاد هذه الكذبة وتصدّقها فيصدّقها الناس حولك، فأن يتذكّرك الناس رجلاً أهون من أن تكون لا شيئاً وتضيع في غياهب النسيان.

وإن لم يعجبك قولي هذا فلن أكترث لك، ولن أعتذر منك، فلك أن تفعل ما تشاء، ولي أن أقول ما أشاء.