31‏/03‏/2012

ثلاثون.. (2)

الدنيا مسرح كبير

صحيح جداً جداً.. فنحن ممثلون في كل الأوقات.. 
خارج البيت نحن مثاليون جداً، متواضعون، كرماء، أبي من وجهاء الناس ويحظى باحترام الكل، كلامه موزون، ونحن تصرفاتنا لائقة جداً جداً، وصايا أمي أو تهديداتها بحسن القول والفعل خارج البيت هي مثال لحسن التربية، وداخل البيت فبإمكنك أن تقبّل مؤخرة التربية!
ما نتلفّظ به وما نفعله وما نجوّزه لأنفسنا داخل البيت يثير الغرابة! كأننا عدّة شخوص مركّبين في جسد واحد، وغريب كيف كنّا نتكّيف مع كل حال وموقف ونستدعي الشخص المناسب في الوقت المناسب!
هل هو مرض الفصام؟ أم أننا ممثّلون بارعون لهذه الدرجة؟

تعال إلى داخل البيت.. تفضّل.. بإمكانك الدخول.. لا حرج.. أولا تريد أن تعرف من نحن في الحقيقة؟

أولاد كُثُر، ذكور وإناث يكبرونني ويصغرونني، وأنا هائم في الوسط، الإهمال تجاهنا واضح، إهمال في اللبس، الدّرس، المشاعر.. في العادة كنت ألبس من كل قطر أغنية، ولو بدوت كالمشرّدين ليس الأمر بذي أهمية ما دمت أستر عورتي.. في الواقع ما دامت ثلاثية ( أكلَ- شرِبَ- نامَ ) قد تحققت فنحن في أحسن حال وما الذي نبتغيه أكثر؟

هل ترى ذاك الرجل الغاضب دوماً.. ذاك والدي..
له صوت مرعب وشخص مخيف، يسارع كفّه لقمعي دون رحمة أو هوادة، هذا هو الحوار وكذا تكون التربية، ساعات غيابه رحمة، وساعات وجوده خوف وترقـّب.
لكلّ منّا نصيبه من غضب أبي، وكان الغضب يشحن الغضب، فينهال عليّ إخوتي الكبار وأنا أتسلّط على من يصغرونني، وهكذا كانت أيامنا ملحمة!
ويصرف المحللون النفسيون والاستراتيجيون الساعات في التحليل والبحث والسؤال.. من أين جاءت ثقافة العنف؟ ومن المسؤول؟

أمّا الأم فمشكلتي معها قديمة وقصة واحدة قد تروي لك الكثير..
في سنّ الخامسة سمعت عن شيء ما اسمه الروضة.. وكالجميع رغبت بالذهاب..
فسألت أمّي فكان جوابها كالتالي: هل تفضّل الذهاب للروضة أم  تفضّل النوم والبقاء في المنزل للّعب؟
إممممممم.. أي سؤال هذا توجّهه لابن خمس سنين؟ بالطبع سأختار اللّعب!
كانت أمي ببساطة لا تريد أن ترسلني للروضة لكنها لم تعبّر عن هذا صراحة بل أوقعتني في مكيدة.. جعلت القرار يصدر عنّي  بسؤال لا يمكن أن أخطئ في إجابته.. إجابة صحيحة كما تريدها هي.. وحتى لو اعترضت فيما بعد وأنّبتها سيكون جوابها بأنني أنا السبب.. يا للأمهات!

حسناً من هنا بدأت وهكذا ترعرعت، وأريد أن أقول كلمة أخيرة..
الأطفال ليسوا بالغباء الذي تظنّونه، الأطفال شديدوا الملاحظة وتسجّل عقولهم الكثير، ولهم مشاعر، وربما فاقوكم ذكاءً، والأشياء التي تبدوا في نظركم هيّنة وسخيفة هي في نظر الأطفال عظيمة..

28‏/03‏/2012

ثلاثون.. (1)

تقديم..


نعم، تقليداً لميخائيل نعيمة في كتابه سبعون، سأكتب شيئا ما كوني بلغت الثلاثين، ولم لا؟ ألا تضم ثلاثون عاماً من حياتي خبرة ما تستحق أن تعتبر أو قصة تستحق أن تروى؟

ربما هي ليست قصصاً، هي على الأغلب زمرة من الفضائح، ورغبة عارمة تدفعني لأرويها، ربما لأنها أثقلت علي وأصابتني بالدوار، وكم أرغب أن ألفظها بعيداً بعيداً عني.
ربما لأنني أريد أن أتغيّر، أريد أن أختلف، أريد أن أكنس ذاكرتي كنساً جيداً من الكثير الكثير من الذكريات والترهات، وأبدأ من جديد، وأصدق أي حلم وأتوقع المستحيل وأتفاءل بغدٍ مختلف، بعد أن كانت أيامي سواء والتفاؤل غبار والأحلام هباء وسرد كلام في كلام.

لماذا هذا العام؟ ربما لأنه عام مليء بالغرائب!
من كان يصدق أن ثورة ستقوم أو حاكماً سيهرب أو يتنحى أو يقضي؟
من كان يصدق أن ثلاثين ربيعاً من عمري نالت لقب "ربيع الثورات العربية"، ربيع وأي ربيع؟ 

وكي لا أجلب العار لنفسي وأهلي سأكتب حياتي باسم مستعار، وليكن ما يكون، فسأجتهد في البحث عنه كثيراً وسأندم عليه لاحقاً، كما أفعل غالباً.. إذاً ليكن اسمي ( فارس ) بلا سبب ولا مغزى هو مجرد اسم..