30‏/11‏/2012

دستور الضيعة

أولاً:
نعلن ضيعة غربة دولة مستقلة ذات سيادة.

ثانياً:
حدود دولة غربة:
بيحدها من الشمال شجرة التوت اليبسانة.
ومن الجنوب مزبلة أم سطّوف.
ومن الغرب قهوة غربة.
ومن الشرق حمار الحجة.



27‏/11‏/2012

غرفة 27

قالت: عشنا طول عمرنا بالسجن وما كنا نطلع منّه إلا بالمناسبات.. ولمّا نطلع كنّا نلبس الزي الموحد اللي مكتوب عليه الاسم.. ونروح ونيجي بالباص اللي برضه مكتوب عليه الاسم.. وكلّ الناس تطّلع فينا.. إشي شفقان وإشي قرفان..

صمتت لحظة لتتنهد.. فجوّلت نظري في غرفتها الأنيقة.. كل شيء مرتّب ومهذّب.. على الجدران صور أطفال وزهور.. وملابسها مطوية بعناية.. لم أنظر داخل خزانتها لكنني تصورتها كذلك.. مقارنة سريعة مع غرفتي.. مغبرّة.. ملابسي لم تخرج من الحقيبة منذ أسبوع.. كل شيء بالتأكيد ليس في محلّه.. لن أدعوها لزيارتي.. سأقابلها دوماً هنا..

استأنفت: ما حدا عمره اهتم إذا درسنا أو انجحنا.. ولإنا قضيناها بالحبس.. اطلعنا ما بنعرف نتعامل مع الناس.. الصحيح.. اطلعنا لقينا حالنا بالشارع.. صاحبة هاد المكان فيها خير استقبلتني وبنص الأجرة اللي انتي بتدفعيها.. وبعدين أنا اشتغلت.. وتزوّجت.. واحد يعني زيي..

توقّفت وتناولت كوب القهوة وارتشفت على مهل.. وأنا ما زلت شاردة بالغرفة..

الصحيح ما دامت بيني وبين زوجي.. أصله.. إحنا الثنين معطوبين.. وابتسمت.. 
الحمدلله ما إجاني ولاد.. واتطلّقت.. وارجعت للشارع.. وبس!

ابتسمت.. ماذا يفترض بي أن أقول؟

قالت هي: ما عرفت وين بدّي أروح وفكّرت أرجع هون.. والله صاحبة المكان استقبلتني عادي وأجرتني الغرفة زي زمان.. تصوّري.. رجعت أخدت نفس الغرفة.. رقم 27.. هي نفسها.. شو احتمال إنه هالإشي يصير؟ بس.. هاي حكايتي.. وبكرة راح أرجع أدوّر على شغل.. وإنتي؟

أنا.. أنا طالبة بسنة ثانية.. اتعبت السنة الأولى من المواصلات.. ففكرت آخد غرفة بسكن الطالبات.. وبس! إن شاء الله تتوفّقي وتلاقي شغل بسرعة.. ابتسمت.. وردّت هي الابتسامة..
قالت: زوريني دايماً.. بما إنا جيران والباب بالباب.. 
أكيد..

بدأت بترتيب غرفتي لحظة دخولها..
غرفتي دائماً مضطربة.. وغرفتها كانت هادئة.. غرفتي غرفة طالبة مؤقتة.. وغرفتها هي بيتها..
لمّا قابلتها أول الأمر أمام باب الغرفة رحّبت بي.. وقالت: اسمي هيا.. بس يمكن هاد مش اسمي.. اتفضّلي.. بتحبّي تشربي معي قهوة؟ بس قبل ما تدخلي.. ترى أنا من خريجات الـ (SOS).. بعدك حابة تدخلي؟
فكرت فيها كثيراً تلك الليلة.. وأصابني الخجل من نفسي.. فانهمكت في ترتيب غرفتي..

23‏/11‏/2012

وقفة..

‎(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين)

فذكر ضيق الصدر مما يرى أو يسمع أو يجد، وأمره بالوصفة المحققة: التسبيح والسجود .. إنه شيء وجدته في نفسي، وأيقنت أن كل إنسان هو كذلك، عرضة لأحزان الطريق .. والدواء القاطع لكل ألم هو التسبيح والسجود.. وصفة سهلة المتناول، بيد أنها تحتاج إلى مران وتدريب، وقد لا تجد أثرها من أول مرة حتى تتحول عندك إلى سلوك وعادة.

سلمان العودة

14‏/11‏/2012

الجحيم الأخير

- أتعلم لم أنت هنا؟ قد وشى بك جيرانك والمقربون منك على استعداد للشهادة.. عندما قبض عليك رجالنا وجدوك على هيئة مريبة.. إياك أن تنكر.. لدينا ما يرغمك على الاعتراف.. لدينا ما يهشّم عظامك ويمزّق لحمك وجلدك..

- لا تقلق لن أنكر شيئاً.. ولن أمتعك بفرصة تعذيبي وتمزيقي..

- إذاً.. أتقرّ أنك كافر وتدين بغير دين الحقّ؟

- أقرّ بأنني أدين بدين آخر.. ارتضيته لنفسي.. وهو عندي حق..

- أتزعم إذاً أن ديننا هو الباطل؟ أتكذبنا وتكذ ّب إلهنا؟

- أنا لا أزعم شيئاً ولا أكذ ّب شيئاً.. أنا فقط أؤمن بغير ما تؤمنون..

- ولم فعلت هذا؟ ولم خالفتنا؟

- قد جعلت إيماني حيث اطمأن قلبي.. ديني أعطاني معناً لحياتي ومماتي.. سعادة أعيش بها.. ونهاية أصبو إليها.. أعين الغريب.. أتسامح مع المسيء.. وأعمل من أجل رضا إلهي..

- وديننا كذلك يعطيك ما تقول.. سعادة وخلوداً..

- لكنّ الطريق إليها غريب.. مخيف ومرعب.. نزعتموني من يدي والدي طفلاً وطردتموهما.. أسكنتموني بينكم.. وفرضتم علي دينكم.. هدّدتموني أن أكون مثلهما وأن أدين بدينهما.. عذّبتم خلاني وقتلتموهم.. أي دين هذا؟

- الدين الصحيح.. دين يطهر الأرض من كل الآثمين..

- لكنّ ديني لا يفعل ذلك.. ديني يترك الناس وهداهم.. كلّ يختار طريقه.. من آمن فلنفسه.. ومن كفر فلنفسه.. ثمّ يحكم بينهم ربهم فيما كانوا فيه يختلفون.. دعوا الناس وما يؤمنون.. خلّوا بينهم وبين ربهم.. فليحاكمهم هو.. 

- قد أعطانا الإله سلطاناً لنحاكم كلّ الكافرين ونرسلهم إلى الجحيم..

- ما أدراكم بأنا نحن الكافرون؟ لم لا تكونون أنتم الكافرون؟ ما دليلكم؟ أجيبوني..

- إلهنا قال ذلك وكفى..

- إلهكم بريء مما تدّعون..

- قد جادلتنا فأكثرت جدالنا.. هيا اصمت.. سنغيب وإنا في أمرك لناظرون..

دامت تلك الغيبة دقيقتين.. وكيف لها أن تدوم أكثر؟
قد اعترف بذنبه.. والحكم بالموت مؤكد..
أرسلوه لسرداب غائر معتم.. لغرفة رطبة منتـنة.. وكان موعده الصبح.. ليساق إلى مصيره المحقّق.. بكى وصلّى وتضرّع.. ونادى في الظلمات.. من لي من مولى غيرك.. من لي من نصير بعدك.. أغثني.. أجرني.. يا ملاذ المكروبين.. طمّنّي.. وقوّني.. وادفع عنّي.. وأصبرني على ما يحكمون..

.. قادوه بعربة الخزي والعار عبر شوارع المدينة والناس يلعنونه ويقذفونه بالشتائم والقاذورات.. وصل إلى ساحة المدينة الكبيرة حيث أعدّت محرقة هائلة من أجله.. جرّه الجلاّد من حبل طوّق خصره بعنف وضربه بقسوة ليحثه على المسير.. شدّ وثاقه بقوة فوق ألواح الخشب الكبيرة..
ونادى المنادي بالناس وتلا آخر سطور حياته..
"حكمت محاكم التفتيش في بلنسية على المدعو جيرونيمو بوينا فينتورا بالموت حرقاً بعد إدانته بجرم الكفر والارتداد عن دين المملكة إلى دين آبائه وأجداده الآثمين."

وقف جلّاده أمامه يحمل بيده شعلة ملتهبة ليغرسها في محرقته.. فنظر في عيني جلّاده وابتسم..
نظر الآخر إليه متعجباً.. أمجنون أنت؟ تبتسم؟ ستموت يا رجل..
- نعم. سأموت.. إن كان إلهي هو الإله الحق فها أنا أموت من أجله.. وقد وعدني بجنّته.. وإن كان إلهكم هو الإله الحق.. وهو الإله العادل كما تزعمون.. فلن يحرقني على الذنب مرتين.. سأخاصمه.. ألم يعطيني نفساً وعقلاً.. فكيف يجرّمني بما ارتاحت وتاقت إليه نفسي واطمأن له قلبي وعقلي..
- ألست خائفاً؟
- لم أكن مطمئناً من قبل مثلما أنا مطمئن الآن.. ها أنا ذاهب إليه.. وسأترك خلفي هذا الجنون..

بدأت الألواح تشتعل.. والناس في هرج ومرج يصرخون ويشتمون.. شعر بالحرارة تصل إلى قدميه.. والدخان القاتم يتكاثف.. استجمع شجاعته وتنفس.. أخذ يردّد.. صبر جميل والله المستعان على ما تصفون.. صبر جميل والله المستعان على ما تصفون.. تكاثرت سحائب الدخان من حوله.. وأخفته عن وجوه الناس.. أسرعت إليه تضمّه من كل مكان.. تنفّسها صدره.. وتنشّقها جلده.. احتلّت جوفه..أغمته وأبعدته.. بعدها وصلت ألسنة اللهب إليه.. شرعت تأكل ثيابه وجسده.. لكنه كان غائباً.. فاحترق بصمت.. 
 صمت الناس وهم يشاهدون الجسد الملتهب.. ويشتمّون اللحم المحترق.. ولا يسمعون صراخاً أو عويلاً.. 

ضاق جسده بما احتشا فيه.. وما عادت روحه لتجد مكاناً في هذا العالم يسعها.. فغادرت.. وحلّقت في الأفق.. وتنفـّست.. حلّقت.. فتعهدتها رسلٌ من ربّها.. وسارت بها صوبه.. نسيت روحه كل الكفر والجور والحزن والجزع.. فالآن ستقابله.. وستطلب عنده السلام..

04‏/11‏/2012

حجاً مبروراً

" هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية.. سمعتها عبر شباك غرفتي.."

ذهبت تلك الستينية لأداء مناسك الحج.. ورافقها ابنها الثلاثيني.. محرماً.. ومعاوناً.. و بعد أن تضرّعا وبكيا.. وجاهدا.. رجعا..
قابلتها بناتها بالدموع.. وكانت زوجته مشتاقة.. وابنته الصغيرة..

قالت لها أمه.. 
- مالك هيك نصحانة؟ مش مخلية إشي من شوكولاتة العيد؟
فردّت زوجته..
- هادا من الهنا.. عشرين يوم بلا شوفة هالحدا..
قالت أمّه..
- هيك بتردّي.. شو بده يطلع منك؟ ما إنتي بنت..... (زامور إنذار الحريق)
فردّت هي:
- ما شاء الله عنكو! اللي بسمع بفزع! مش يعني إنتو ولاد .... ( زامور إنذار القصف)

جرّ زوجته إلى بيته.. وتشاجرا..
- أنا ما بحترم اللي ما بحترم أمي..
- وأنا ما بحترم اللي ما بحترم أهلي..
- ما دامو هالقد غاليين عليكي روحي عندهم.. روحي..
- بتطردني من بيتي يا إبن أمك..
- بس. وطي صوتك.. فظحتينا..
وأغلق النافذة..

جمعت ثيابها وخرجت..
وبعدها وصل المهنئون..
تقبل الله طاعتكم..

02‏/11‏/2012

قوس قزح

إذاً.. إن وصلتني رسالة أخرى عن قصة نجاح ما.. فسأنفجر.. وإن وصلتني تغريدة أخرى للمشاركة بحملة " أنا متفائل وأفتخر".. فسأطلق النار.. وما له التشاؤم؟.. لنحتفل بالكآبة.. إن الأفكار العظيمة لتزورني وأنا أنظّف الحمّام..
وأتراجع عن قرار التعاسة لحظة.. وأشلّ وجهي بابتسامة تافهة.. خوفاً من أن يلقاني أحد ما.. فيسألني.. فاضطر لتلاوة المبرّرات.. والتي لن يصدقها بدوره.. لأنه يريد أن يصدّق مبرراته هو.. " لقد استيقظت اليوم.. لتكتشف أنها قبيحة.. وأنها بدينة.. وأنها غبية.. وأنها عانس.. أكثر من ذي قبل.. "

ويقتلني أنّ عليّ أن أجد المبرّرات.. وأنه من اللازم أن تكون هناك مبرّرات.. مع أنه لا توجد مبرّرات.. سوى.. أنني.. استيقظت اليوم بمزاج حالِكْ.. وأحتاج لأن أكون حزينة.. وكفى !

تحذير:
إن التعليقات الواردة تالياَ تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولاتعبر بالضرورة عن آراء الكاتبة.. مع العلم أن أي تعليقات ستحتوي على كلمات مسيئة ككلمات التفاؤل والمواساة سيتم حذفها نهائياَ.. شاكرين لكم حُسْنَ اكتئابكم..

. . . .

هل تظن أننا ندخل ديناً آخر بالقوة؟
لا، وحتى لو تظاهرنا بعكس ذلك.
الدين خيار عميق وغامض.
نتخبأ وراء دين فرض علينا خوفا، وأول ما تطل سفننا في الأفق، ننسى كل شيء ونهب نحوها ويستيقظ ديننا الأول فينا.

واسيني الأعرج - رواية البيت الأندلسي