كنا صغاراً نلعب وسط الطريق، كان المارون يسرفون بالثناء على بنت الجيران ويشيحون بأنظارهم عني، خافوا جرح مشاعري واكتفوا بالصمت وأتموا المسير. ركضت نحو المرآة ونظرت، فأدركت. كنت أنا سمراء، سوداء الشعر والعينين، وكانت هي شقراء.
سألت أمي لم كان علي أن أكون سمراء؟ قالت أمي: الذنب ذنب الباذنجان. أكثرت من أكله إذ كنت حاملاً بك. فبت أكره الباذنجان ولم أعرف طعمه وأعشق الحليب والألبان.
في الطفولة حدّثوني عن قصة البطة السوداء، كم كانت قذرة وقبيحة، ونفر منها الجميع، كبرت لتصبح جميلة، كبرت لتصبح بجعة بيضاء.
في المدرسة علمونا قول الشاعر: الظلم ليل (أسود) ... والحرية فجر (أبيض)...
وفي الامتحان قالت المعلمة: أجيبي بنعم أو لا. لم يعطوني مجالا للشرح أوالتفسير... هي إما إجابة جميلة أو إجابة قبيحة.
وشيئاً فشيئاً تعلمت أن لابد للجمال أن يكون (أبيض) ولابد للقبح أن يكون (أسود). يجب على العالم أن يكون إما بالأبيض أو الأسود.
قالت أمي لا ترتدي الأسود، ما كان له إلا أن يزيدك قبحا... الأسود لون الموت... والأبيض ثوب الشهداء...
القلب الطاهر أبيض... والقلب الحاقد أسود...
الحرية والسلام حمام أبيض... والشؤم غراب أسود...
العبيد سود... والأسياد بيض...
شيئاً فشيئاً علّموني التطرّف، لم أعد أرى شيئاً إلا طرفي نقيض، هو إما أبيض أو أسود. علّموني العنصرية والسطحية وسوء الحكم على الأشياء.
مشيت في البراري ورغم كل الألوان حولي لم أعد أرى منها شيئا، واجتهدت في البحث عن أي نقطة سوداء أو بيضاء فيها مهما قلت أو دقّت. ومشيت في البراري حتى رأيتها، تقف وحدها واثقة صامدة ترتدي الأسود. ركضت نحوها مغاضبة وقلت لنفسي تلك القبيحة كيف تجرأ؟
أردت اقتلاعها من جذورها وما أن اقتربت منها أوقفتني بصرخة فزعة: أو تكرهينني؟
وقفت ولم أحرك ساكناً ونظرت إليها، ضربتني هيبتها، براءتها وعذوبتها. أعادت السؤال وقالت: أو تكرهين السوسنة السوداء؟ قلت لها: لا لا، بل أنت زهرة جميلة جميلة، وانهمرت دموعي وخارت قواي، ما عادت قدماي تحملاني فسقطت، أجهشت بالبكاء وأغرقتني دموعي، وصرخت! دعوني وشأني أريد أن أعرف ما خلف الأشياء، ما كل ما استقبحتموه قبيح ربما الخير خلف ستارة سوداء.
وبعد حين استشعرت السكينة، وفتحت عيني والآن ارتد لي البصر. أريد الآن أن أنظر إليكم وأحضنكم وأحدثكم وأعرفكم وبعدها سأقرر وبعدها سأحكم.
مدّت يدها نحوي تريد أن تنتشلني ؤسألتني: هل أنت بخير؟ قلت لها: نعم . الآن فقط أصبحت بخير.
قبل أن تبادر بإصدار الأحكام
قبل أن تتخذ القرار بأن تكره أحدا ما أو تحبه
اسأل نفسك
هل قابلته حقاً؟
جميلة جدا جدا خاطرتك هذه. أبدعت.ـ
ردحذفصباح الخير انستي الرائعه
ردحذفللاسف...الكثير من الحكم المسبق للاشياء بناءا على ما سمعناه وليس بناءا على ما جربناه....فقدنا الكثير من الاشياء الجميله وقدرتنا على الاستمتاع بها خوفا من التعرف عليها عن قرب....رائعه فكرتك وطريقة تعبيرك عنها
ذكرتيني بمقولة غادة عبد الرزاق "الابيض مش ابيض عند كل... و لا الاسود اسود عند كل الناس".
ردحذفابدعتي!
آنسه كياله
ردحذفأسلوبك جميل جدا في الكتابه حقا أبدعت .
بالتأكيد لن نعرف حقيقة الجمال في أي شيء إذا لم نلامس أعماقه غير الظاهرة للعيان .
كل الود ونهارك سعيد
ببساطة ... أبدعتِ
ردحذفكثيرون هم من يأخذون بقشور الاشياء .. ولا يأبهون باللب والزبدة :)
بالمناسبة , أحدهم يقول بأن الابيض هو لون الموت ... فالكفن أبيض .. وشرشف المشفى أبيض .. وملائكة الرحمة بيض كذلك :)
تحياتي
مساء الخير jaraad :
ردحذفشكرا لك على الاطراء الجميل وسعدت حقا بمتابعتك للمدونة واتمنى زيارتك الدائمة.
مساءك سعيد نيسان:
ردحذفأنت الرائعة دوما بمتابعتك الدائمة وإطرائك الجميل.
كم نعاني من الأفكار المقولبة المفروضة علينا، عليناأن لا أؤمن كثيرا بالإنطباعات الأولى عن الأشياء والأشخاص، ونسعى للتعرف أكثر عن قرب.
يغيب عن أذهاننا أننا نؤذي الناس ونحقرههم عند الحكم عليهم ( من اللبس أو البيئة أو مكان السكن وغيرها ) في حين أنهم قد يكونون رائعين حقا عند التعرف عليهم حق المعرفة.
كل المحبة ومساؤك سعيد
أخي العزيز أحمد:
ردحذفأعجبتني هذه المقولة جدا. نعم لم علينا أن نرى الأشياء كما يراها أغلب الناس، لم لا يحق لنا أن نختلف في نظرتنا وتقديرنا للأشياء.
نهارك سعيد وتشرفت بزيارتك
مساء الخير أشرف:
ردحذفشكرا على الإطراء مع إني لا أعرف إن كان أسلوبي جميلا حقا، ففي المدرسة لم أكن أحب حصة التعبير أبدا ولم أحصل على علامات عالية على ما أكتب.
ولكن يشرفني إعجابك وزيارتك الدائمة تفرحني.
كلامك صحيح لن ندرك جمال الأشياء حتى ندرك أعماقها وهذا يذكرني بمقولة جبران:
" ليس الجمال في الوجه، بل الجمال شمعة تنار في القلب"
الأخ العزيز أحمد المحروق:
ردحذفأولا دعني أرحب بك وبزيارتك الأولى للمدونة ويشرفني مرورك.
كلامك عن كون الموت أبيض يعزز الفكرة بأننا مختلفون وأن كلا منا يرى الأمر على طريقته، وكون شخص ما يختلف عنا لا يجعله قبيحا أو كريها، من حق الناس أن تختلف في معتقداتها، ومن واجبنا أن نستوعبهم ونتفهمهم أولا قبل أن نبادر بإطلاق الأحكام.
جميلة جدا...الله يعطيكي العافيه :)
ردحذفومبروك الشكل المنعش الجديد
و ما بتتخيلي ضحكتي لما شفت صورة جودي ابوت....كتييييييييييييييير بحبها :)
مساء الخير ويسبر:
ردحذفبتشرف انه االبوست عجبك، اللون الازرق حلو وتغيير.
اما بالنسبة لجودي ابوت فانا كمان بحبها جدا جدا.
مساءك سعيد
الحكم على الظواهر و القشور!
ردحذفشيء شيء و مستشر ٍ بكثرة.
*الحق على التلفزيون :)
بس جد إدراج قوي و واقعي، شكرا ً.
هيثم اهلا وسهلا فيك:
ردحذفانا بشاركك الرأي انه التلفزيون علمنا حب المظاهر وعلمنا نتعلق بأشياء غير واقعية وغير موجودة بنعتبرها جمال بس هي ير هيك كليا.
شكرا لمشاركتك
انسة كياله.. تسلم إديكي على هلإدراج.. حبيتو كتير..
ردحذفبس قرأت جمله؛
"وفي الامتحان قالت المعلمة: أجيبي بنعم أو لا. لم يعطوني مجالا للشرح أوالتفسير... هي إما إجابة جميلة أو إجابة قبيحة.."
إتذكرت شي صار وأنا بالصف التالت.. كنت ادرس بمدرسه بالرياض وكانت حصة اللغة العربية.. كان في تمرين لازم نحل.. حطين صورتين لغرفة واحدة.. وحدة والدنيا نهار والثانية بالليل.. التمرين بطلب إنو أعطي رأيك أية صورة أجمل وليش..
معلمتنا المحترمة أصلاً ما اعطتنا مجال إنو انمي مهارة إختيار الأشياء أو التعبير عن اعجبنا برسمة ما.. كان جوابها:
إلي عاجبو صورة العتمة يكتب عشان ألوانها هادئة،، وإلي عاجبو صورة النهار يكتب عشان الألوان زاهية..
الحمدلله على كل حال :)