إن سألتني من هو الرَّجُل؟ أقل لكَ هذا سؤال تصعب الإجابة عليه، إنه سؤال جدلي، بحاجة للتفكير والتمحيص، تتعدّد فيه وجهات النظر وتتناقض. لكنّني في النهاية سأعطيك إجابة شافية، فلن تجد إجابة أبلَغَ من إجابة تعطيها لك امرأة، فأنت مهما اجتهدت في وصف نفسك ما كنت لتقارب الوصف الذي يعطيك إياه غيرك.
لأجيبك سأقول إنّ الرَّجُلَ ( لغةً ) هو الذكر البالغ من بني آدم، هكذا قالت قواميس اللغة، لكنها إجابة مختصرة جداً بل هي إجابة قاصرة، بل أظنها ليست إجابة أصلاً.
لأجيبك سأقول إنّ الرَّجُلَ ( اصطلاحاً ) - وهو ما تعارف عليه القوم واتفقوا - هو كل ذكر بالغ، ممن علا صوته وساء لفظه واغترّ بنفسه، من دنت أخلاقه وضاعت مروءته و سُحِقَت شهامته، ضعيفٌ منافقٌ ينقضُ العهد، لئيم، تافهٌ ذو سخافةٍ فاقدٌ للرأي والمشورة.
ستقول لي ويلك! ما هكذا يكون الرجال! فأقول لك بلى. قد نظرت حولي للرجال لأجيبك وهذا ما وجدت.
وجدت محمداً الذي يبدأ نهاره كل يوم بالصراخ على زوجه وأطفاله، حتى إذا بلغ مبلغه من الغضب والانزعاج، بدأ محمد بسَبّ ربّه وسبّ محمدٍ رسوله. وهكذا يكون محمدٌ قد وصل لأقصى درجات الرجولة في حدّ تقديره.
وجدت علياً الذي يستحضر رجولته بضرب أخواته إن رفضن استعباده لهنّ وتسخيرهن لخدمته.
وجدت عبدالله الذي ينام نهاره ويسهر ليله في المقهى بين الشيشة وطاولة النرد ولعب الورق، ويعتاش كائناً طفيلياً على راتب زوجته، وقد كان يمتلك عملاً من قبل لكنه فقده بعد حين، وكم أكثر الشكوى من شدّة العوز وقلّة الحال لكن تأبى رجولته أنّ يكدّ للخلاص مما هو فيه، فيهرب للنرد والورق، تاركاً خلفه جاريته أو زوجته - فكلاما واحد ولا فرق بينهما هذه الأيام - لتكدّ في العمل ليلاً نهاراً داخل المنزل وخارجه وتربي أبناءهما وحدها.
وجدت أحمدَ الذي لم يصم رمضان يوماً، فأحمدُ لم يستطع يوماً أن يتوب من عاهرته النحيلة سليلة عائلة " مارلبورو ".
ووجدت عمرَ راقصَ المدينة، والذي لا يتوانى عن هزّ الخصر والتمايل مع كل لحن وفي أي مناسبة ومع أي مطرب، وهو دوماً الأول على درجات المهرجان. حتى أنني أخطأت يوماً فظننته أخته، بعد أن طال الشعر وعذُبَتِ الكلمات وتجمّل بالإكسسوارات.
ووجدت معتزَّ الذي لا تكتمل رجولته دون سكينه إلى جوار خصره، حتى إذا ما نادى المنادي أن يا شباب الجامعة هلمّوا إلى القتال، أخرج سكّينه ونحر صديقه، عندها فقط يستشعر معتز قوته وتكتمل رجولته، ويغدو هذا القاتل رجلاً يذود عن الشرف والرجولة.
بعد كل هذا إيّاك أن تعترض، أليس هؤلاء هم رجالنا ؟!!
لكن مهلاً، حتى أنا لا أقبل بهكذا إجابة ولا أرضى بأن يكون هكذا الرجال، إذاً فهذه ليست إجابةً أيضاً، وهؤلاء الذين وصفتهم لك ليسوا بالرجال.
نعم ليسوا رجالاً، وإن كنت كالسابق ذكرهم وتنطبق عليك صفاتهم فأنت لست برجل.
لكنّك بالتأكيد ذكر، نعم، ويثبت ذلك الناحية التشريحيّة والوظيفيّة لجسمك، ويثبت ذلك قدرتك على الإنجاب، لكن ولتعلم أنّ ذكورتك وفحولتك وحتّى خشونتك لا تعطيك حق الرجولة أبداً.
أقول لك إنّ الرَّجُل ( حقيقةً ) هو من استكمل صفات الرجال ولم يكتف بالذكورة التي تفرّق بين الرجل والمرأة. وإن قلت لي أنّى لكِ هذا ؟ قلت لك إنّ معي أقوى شاهدٍ ودليل.
هيّا هلم معي ولنفتح كتاب الله، ولتبحث عن كلمة رجل، لن تجد هذه الكلمة إلاّ بجوارِ صفةٍ محمودةٍ وموقفٍ نبيل.
أوّلُ هذه الصفات وأهمّها وأقواها هي الإيمان، الإيمان الحقيقي واليقين، لا الادعاء والاكتفاء بأقل القليل؛ فالصلاة وحدها مع صيام رمضان ليست إيمانا كاملاً، ولتقرأ قوله تعالى : ( رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ اللهِ وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ يخافون يوماً تتقلَّبُ فيه القلوبُ والأبصار ).
من صفات الرّجال الشهامة والمروءة والمواقف والرأي الحسن، ولتقرأ معي ( وجاء رجلٌ من أقصى المدينةِ يسعى قالَ يا موسى إنَّ القومَ يأتمرون بك ليقتلوك )، ولتقرأ أيضاً ( وقال رجلٌ من آلِ فرعونَ يكتمُ ايمانه أتقتلون رجلاً أن يقولَ ربِّيَ الله ). فهذان رجلان وُجِدا في حياة موسى الرجل النبي الكريم، الأول شهم وقف معه موقف حق وأشار عليه بالرأي السديد، والآخر دافع عنه ولم يهب فرعون ومن حوله، وكان مؤمناً حقاً، فهكذا يكون الرجال.
وعندما حاور لوط عليه السلام قومه قال ( أتأتونَ الذُّكرانَ من العالمين ) فوصفهم بالذكورة فقط لأن هؤلاء المقبوحين لا يمكن لهم أن يكونوا رجالاً. وستجد في كتاب الله الكثير مما لا يتسع ذكره الآن لكنه كفيل بأن يقنعك.
من صفات الرّجال العطف والإحسان، وهي أبلغ من الصلابة والخشونة، أتعلم لم سُمِّيت حَوّاءُ بهذا الاسم؟ لأنّها خلقت من ضلع حيّ، من ضلعك أنت، فأن تحنو عليها لا أن تقسو هو ما يزيدك شرفاً ورجولة.
أوَ كنت تعلم أنّ العرب إن أرادت أن تفخر بامرأة نسبتها للرجولة؟ فقد كانت العرب تقول امرأةٌ رَجُلَة إذا تشبهت بالرّجال في الرأي والمعرفة. وفي الحديث ( كانت عائشة رضي الله عنها رَجُلَة الرّأي ).
وسأصدقك القول إني والله لأفخر إن نلت هذه الصفة، لكن عليك أن تكون رجلاً أولاً لأرضى أن أُنسبَ إليك.
ثمّ بعد ذلك تسأل لم بُؤسُ الحياةِ وشقاؤها؟ أقل لك لأنك لم تعد رجلاً. تسألني لم الطلاق كثُر حتى خلنا أنه سيسبق الزواج يومًا؟ أقل لك لأنّك لم تعد رجلاً، فوالله ما من امرأةٍ عاقلةٍ تفرّط في رجلٍ حقيقي، لا والله. حتى أنني بتُّ أخاف الزواج وأتردّد، أخاف إن تزوجت يوماً أن لا أجده رجلاً، حينها والله سأموت غيظاً وقهراً، وأوصيكم أن تترحموا عليّ، وأن تدعوا لي بأن يأجرني الله في مصيبتي ويخلفني خيراً منها عنده في الجنة.
وتسأل لم هانت الأوطان ومتى تحرّر؟ أقل لك إنّها ستحرّر، فالله وعدنا ومن أصدق من الله قيلا، لكن كيف؟ سأخبرك، لا تركب أسطول الحريّة فقد فات الوقت وسبقك الرّجال إليه، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تخرج في مظاهرة، واسكت، وتوقف عن الترجّي والأمل، فقط كن رجلاً، فيدُ اللهِ مع الرّجال والنصرُ لهم، ولا نصر لأشباه الرِّجال والذّكورِ المتأنّثات.
فبالله عليك أخي إن لم تكن رجلاً من قبل أو لم تربّى على الرّجولة، فصر اليومَ رجلاً وتحلّى بصفات الرّجال، فإن لم تستطع فادّعيها علّها من كثرة الادعاء تصيبك في النهاية، أو علّك تعتاد هذه الكذبة وتصدّقها فيصدّقها الناس حولك، فأن يتذكّرك الناس رجلاً أهون من أن تكون لا شيئاً وتضيع في غياهب النسيان.
وإن لم يعجبك قولي هذا فلن أكترث لك، ولن أعتذر منك، فلك أن تفعل ما تشاء، ولي أن أقول ما أشاء.