01‏/05‏/2010

( ذكور وإناث ) عظّم الله أجرك وأحسن الله عزاءك .. المدام جابت بنت

تنويه: قبل أن أبدأ، أعلم أن موضوع الكيل بمكيالين فيما يخص الذكور والإناث موضوع مبتذل و قد كثر الحديث عنه، لكنّه ما زال يزعجني، لذلك سأكتب عنه...

خلف أروقة المستشفى البيضاء وفي إحدى الغرف في قسم المواليد، كانت هيفاء على سرير الولادة تكابد آلام المخاض وتصرخ بأعلى صوتها.. يارب.. يارب.. ترجو منه أن يهوّن عليها وينتهي هذا الأمر بسلام. وبعد عدّة ساعات من المعاناة أنجبت، حمل الطبيب الطفل من ساقيه مقلوباً ورفعه عالياً في الهواء، نظرت هيفاء إلى الطفل ولم تصدّق عينيها، رفعت ظهرها وجلست رغم آلامها وأمعنت النظر، لقد لمحت هيفاء شيئا في وليدها، لمحت تلك العلامة الفارقة التي تميّز الذكور عن الإناث، وأدركت أنها قد أنجبت ولد.. ولد..، أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها ولد.. ولد.. لكن الكلمات لم تسعفها، وإذا بها تطلق زغرودة مدوية مجلجلة إهتزت على أثرها جدران المستشفى.
نظر الطبيب باشمئزاز تجاه هيفاء وقال: " عيب عليك "، فيما أغرقت الممرضات في الغرفة بالضحك، لكن هيفاء لم تهتم، فهم لا يعلمون.
لا يعلم الطبيب أن هيفاء أنجبت 4 بنات في 4 سنوات متتالية قبل هذا الولد، وإن لم يكن ولداً فكان لزاماً عليها أن تمرّ بتجربة الحمل مرّة أخرى في العام التالي دون مراعاة للمتاعب التي يمر بها جسدها أو الكآبة التي تغلّف نفسها بعد كل بنت تنجبها. الآن يمكن لهيفاء أن ترتاح قليلاً. ترتاح من ضغط زوجها و من كلمات حماتها اللاّذعة ومن نظرات الأسف والشماتة ممن حولها، الآن آن لهيفاء أن ترتاح قليلاً.
على فكرة، هيفاء تحمل درجة البكالوريوس و تعمل معلمة مدرسة، وزوجها يحمل درجة الماجستير ويعمل في شركة مرموقة.

في الغرفة المجاورة كانت الممرضة منى تمرّ بتجربة الولادة لأول مرّة، فقد تزوّجت منى قبل عام واحد من أحد الممرضين زملائها في المستشفى وهذا هو وليدها البكر، في الخارج كان ينتظر زوجها وأمها وحماتها وأخوات الزوج والزوجة " قبيلة" من المنتظرين لهذا الحدث الجلل. خرج الطبيب من الغرفة وقال: "مبروك.. عروس"، اصفرّ زوجها، وصرخت حماتها غاضبة: " كيف بنت؟ احنا اعملنا تصوير والدكتور حكالنا ولد، وين الولد؟ ".
حاول الطبيب أن يهدّأ من روعها ويقنعها أنّ التصوير قد لا يكون دقيقاً وأن هذا هو الواقع لكن دون جدوى، بل زادت في الصراخ وبدأت تنعته بأقبح الألفاظ وتسبّه وتسبّ المستشفى وعملت " فضيحة "، فما كان من الطبيب أن ركض هارباً ونفد بجلده.

الدكتورة سميحة أستاذة جامعية، أنجبت ولداً واحداً والكثير من البنات، زوجها أحمد رجل أعمال مرموق، كانت أمه دائماً تأسف لحاله وتقول أمام الناس: " مسكين ابني أحمد ما عنده عيال"، على اعتبار أن بناته الكثر لا يعتبرن شيئاً.
زارت الدكتورة سميحة المستشفى ذلك اليوم، وتوجهت صوب غرفة الفحص، أرادت أن تستشير الطبيب في محاولة إنجاب جديدة، فعلى الرغم من أن عمرها قد جاوز ال 46 عاماً، إلاّ أنها مازالت تطمع في إنجاب أخٍ لابنها .

رانيا موظفة الاستقبال في المستشفى، تضع سماعة الهاتف على أذنها وتحدّث بنت خالتها، " مبارح رحت أنا و إمّي نشوف عروس لأخوي، والله حلوة وماشي حالها بس ما عجبت إمّي، العروس إلها 7 خوات غيرها فإمّي حكت ما بدنا إيّاهم هدول خلفتهم كلها بنات.."

أصدقائي الأعزّاء قرّاء هذه المدونة كنت أظنّ أن الناس يتغيرون، لكن علّمتني الحياة أنهم لا يتغيرون و لن يتغيروا، سيظلّ حبّ الذكور هو الغالب، وأمام حبّ الذكور تتحطّم الشهادات والأفكار ويتحطّم المجتمع، لا أدري ما السبب؟ هل جُبِل الناس على تفضيل الذكور؟ لا أدري.. لكني أعلم شيئاً واحداً، أن هذا الأمر واقعٌ وباقٍ ولن ينتهي في زمن قريب.. ورغم كل المحاولات في تعليم الناس أن انجاب البنات في الحقيقة هو مسؤولية الرجل لا المرأة، ورغم كل التعاليم الدينية والبرامج الحوارية والثقافية التي تدعو الناس لبرّ البنات والاحسان لهنّ ونبذ ثقافة المجتمع الذكوري لكن لا جدوى.

قبل أن أنتهي، سأحدثكم عن هيفاء، تذكرونها؟ تلك المعلمة المزغردة التي ظنت أنها سترتاح؟ بعد أن استعادت عافيتها وبدأت باستقبال المهنّئين، دخل عليها زوجها وقال لها: "يلاّ اتشطّري السنة الجاية وجيبيلنا أخوه ..."

هناك 8 تعليقات:

  1. عنجد قد ما الناس والمجتمعات بتتطور احنا منضل متخلفين و عم يزيد تخلفنا بطريقة مو طبيعية !
    وآخر صرعة طلعو فيها تاعت زواج الأكبر من 15 سنة !
    متى بدها تتطور طريقة تفكيرنا مش عارف !
    والأزفت من هيك انه بتلاقي اللي بحكي هيك حكي واحد متعلم و معه شهادات من هون لتحكي بكرة العيد !

    ردحذف
  2. صباح الخير
    واحده من مئات العقد التي ما استطاع تقدمنا ولا تعلمنا ولا تحضرنا ان يحلها.
    استمتعت بسردك للعديد من المواقف المتنوعه التي تعود لنفس المشكله.
    يسعد صباحك وشرفتني.

    ردحذف
  3. والله صدقي العلم مالو دخل وما راح يقدر يغير الأفكار المزروعه براس الناس.. قدما وصلو درجات بالعلم.. حيضل عندهم نفس وجهه النظر.. ياما دكاتره بمواضيع معينة تفكيرهم ببقى نفس تفكير واحد وصل لصف عاشر..
    حبيت التنويه إلي بالمقدمه..

    ردحذف
  4. sh3rawi:
    شكرا لمتابعتك المستمرة للمدونة ونعم احنا مجتمعات متعلمة ظاهريا متخلفة واقعيا. بس شو قصدت بزواج الأكبر من 15 سنة؟ هاي أنا ما بعرفها، لازم تحكيلي عنها يمكن تعجبني وأكتب عنها قصة

    to nissan:
    مسا النور واهلا وسهلا فيك بمدونتي، سعيدة لأنه عجبتك قصتي ويا ريت تضلي مشرفتينا دايما.

    to Rulla A:
    العلم مفروض بيعمل بني آدم فهمان، بس أغلب الناس فيه جدار عازل بين علمها وطريقة تفكيرها. وهاي أكبر مشكلة ولازم تتغير.
    شكرا على ملاحظك مشان التنويه وضلي متابعتينا دايما، بتشرفي.

    ردحذف
  5. على شغلة ال15 سنة
    بحكيلك قانون الأحوال المدنية الجديد(اللي لسا ما اقروه هو في طور المناقشة) فيه بند إنه بصير تتجوز إللي بتطبق ال15 :)
    يعني نظريا(وكمان عمليا) لو في واحد عاوز مصاري,وبدوش يسرق,ممكن يبيع(عفوا يزوج) بنته اذا عمرها 15 لزلمة كبير معه مصاري,بدل ما يعمل اشي حرام !!!!!!!!!

    ردحذف
  6. to sh3rawi
    ايوه هسه فهمت عليك
    احنا بنضحك عفكرة، زواج اللي فوق ال15 واللي فوق 14 كمان موجود و مش جديد علينا بس هسه صرنا بدنا نعطيه صيغة قانونية بدل ما نوقفه، عجااااااايب!!!!

    ردحذف
  7. عجايب + مسخرة ، جد!

    ردحذف
  8. ماشي خديلك هالقصة

    هاد كانت في وحدة الها اسبوع بالمخاض ، بعد الفحص وقف الدكتور والممرضة بعيد شوي عن المخلوقة وبلشوا يتوتوا بالانجليزي وهي بلشت تخاف وتوسوس وتترجى تعرف شو في

    بعد ربع ساعة من المداولات سألتها الممرضة كم ولد عندك
    - تنين
    - اوف ( ارتاحت الست الممرضة) الحمدلله كنا خايفين نحكيلك انها بنت!

    تخلف!

    ردحذف