02‏/04‏/2010

كـــارمــا

- " ألو، كيفك أم العبد، كيف الحال، خبريني شو صار معك، شو قالولك الجماعة؟"
- " أهلين والله خيتي، والله مش عارفة شو أحكيلك، والله بنتك لميا ما بتنعاب بس الجماعة .. شو بدي أحكيلك.. يعني.. إعتذرو..."
- " طيب ليش؟ حكولك الأسباب؟ "
- " يعني زي ما شفت ابنهم أسمر شوي، وبدهم وحدة بيضة، ولميا ماشاالله عليها شوي قمحيّة ". (بيضة = لا تعني نتاج الدجاج، قمحيّة = بلون القمح وهي الكلمة الملطّفة البديلة لكلمة سمراء أو بمعنى آخر مش حلوة. المصدر: قاموس جدّتي).


- " بالله هاظا اللي هامهم، أصلاً يصحّلهم زي بنتي، جامعيّة، وموظفة، بنت عالم ومؤدبة، ومتدينة، يلاّ ما إلهم نصيب عنّا، تصبحي على خير أم العبد".

بسرعة أغلقت سمّاعة الهاتف، ونظرت لابنتها لمياء الواقفة بجانب الباب تنتظر الردّ بقلق، " ولا يهمّك يمّه، أصلاً ما بستاهلوك، أكيد بجيك أحسن من هيك عالم سُخفا ".
بصراحة لم تكترث لمياء كثيراً، ربما انزعجت في البداية، لكن سرعان ما ألقت الأمر وراء ظهرها، فقد كانت لمياء فتاة عاقلة لم تكن لتدع شيئاً كهذا ليوتّرها، وردّدت في نفسها " الزوج رزق سيأتي لا محالة بتقدير من ربّي في وقته المفروض دون استعجال " واعادت ترديد هذه العبارة حتى هدأ بالها.

مرّت بضعة شهور ولمياء ما تزال دون زواج، لكن حدث جديد الآن يشغل بال العائلة، زواج الأخ الأكبر، أخيراً تخرّج الأخ الأكبر بعد 12 سنة قضاها في دراسة الطب في إحدى دول أوروبا الشرقيّة، و عيّن في مستشفى محلّي ولا ينقصه الآن سوى "عروس". استنفرت أم لمياء وجنّدت الجارات والعمّات والخالات للبدأ في عملية البحث، وشحنت طاقاتها، ومن بيت لبيت مازال البحث جارياً...

في المساء، جلست لمياء وأمها يحتسين الشاي ويشاهدن التلفاز، قالت لمياء: " يمّه ما قلتيلي كيف العروس اللي بدّك اياها لأخوي، يعني غير التعليم وأنها بنت عيلة كويسة، كيف بدّك شكلها، يعني هيك زينا أنا وخواتي؟ "
ردّت الأم (باستهجان): " بالله شو!!! أنا ابني دكتور".
نزل كلام الأم على لمياء كالصاعقة، وقالت بصوت مخنوق: " شو قصدك يمّه يعني أنا مش خرج يخطبني واحد دكتور ولّا مش عاجبك شكلي؟ الله أكبر! بتعيريني وأنا بنتك؟ خلص ما تلومي الناس لمّا ترفضني وانتي بتعملي زيهم". دمعة صغيرة ترقرقت في عين لمياء، لكنّها تمكنت من حبسها حتى وصلت لغرفتها وأغلقت الباب، وسمحت لها بأن تنفلت، وردّدت في نفسها " الزوج رزق سيأتي لا محالة في وقته دون استعجال، وبتقدير من ربي". ردّدت في نفسها حتى هدأ بالها.

بالطبع، زارت أم لمياء الكثير الكثير من البيوت حتى وجدت ضالتها، عروس بجميع الألوان المطلوبة، الأبيض: لون البشرة، الأصفر:لون الشعر، الأزرق: لون العينين، الوردي: لون الابتسامة. لم تكن أم لمياء لترغب أكثر من ذلك لابنها، وشعرت الآن أن عالمها اكتمل.
لمياء تزوجت بعد ذلك بمدّة، لم يكن طبيباً كان موظفا حكومياً، ولم يكن مهتماً بألوان لمياء، جلّ ما همّه وظيفة لمياء وراتبها الثابت كل شهر، فراتبه البائس كان بحاجة لراتب آخر ليتوكّأ عليه. ورغم بساطة حاله كان رجلاً جيداً وأحسن معاملة لمياء.

الآن، عشرون عاماً انقضت... ومرّت الأيام بحلوها ومرّها...
واليوم الجمعة تجتمع العائلة في بيت الجدّة أم لمياء، لكنّ اجتماع اليوم ليس اجتماعاً عادياً، اليوم تظهر نتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، اجتمع الجميع لمطالعة نتيجة حفيدهم الأول - ابن الدكتور- اجتمع الجميع أمام شاشة الكمبيوتر، وما أن دقّت الساعة التاسعة صباحاً حتى بدأت نتيجته بالظهور:
اللغة العربية 7/100 (مكمل)
الرياضيات 4/100 (مكمل)
... (مكمل) .... (مكمل) .......

صُدم الجميع، وغضب الأب (الدكتور)، وأراد أن يقتل ابنه، لكنّ الولد أطلق ساقيه للريح واختفى خلال ثوان. نظر الدكتور صوب أمه وصرخ : " كلّه منك يمّه، كلّه منك... لفّيت العالم ومالقيت غير هاي الغبيّة تجوزيني ايّاها.. هيها جابتلي ولاد أغبيا زيها علشان يفظحوني، شو بدهم العالم يحكو عنّا هسه، ولاد الدكتور همل وسقّط..."
نظرت لمياء صوب أمّها وقهقهت، ثم صارت القهقهة ضحكة وقويت الضحكة وعلا صوتها وجلجلت، ضحكت لمياء وضحكت وضحكت حتى كادت معدتها أن تخرج من حلقها... لم تكن لمياء تسخر من أحد ولا تريد أن تشمت بأحد، لكنها ببساطة شعرت بسعادة غامرة!!

هناك 5 تعليقات:

  1. أول شي يسلمو إديكي..
    هادا واقع مؤسف.. جد..
    مافي حد كامل بهالدنيا فمفروض الناس ماتعقدها كتير.. أنا بتفهم إنو الوحده بدها ولادها أحسن اشي وتكون اختياراتهم أحسن اشي.. بس.. الدنيا سداد ودين.. فبلاش مايصير ببناتك زيما بتعملي ببنات الناس.. وهادا ممكن يتعب البنات نفسياً إنو ليه أنا شعري مش أحمر مثلاً زيما بدها حماتي المحتملة..

    ردحذف
  2. to Rula A

    كلامك صحيح وإن كان هذا المغزى الرئيس من القصة فأرغب أن أضيف إليه القليل:
    اولا المتناقضات في الشخصيات: فالأم التي تتهم من تقدم لابنتها بالسخافة في حين أنها تحمل القدر ذاته من السخافة، والطبيب الذي سعى (كأمه) تماما لامرأة مناسبة لأن تأخذ بجانبها صورة دون أن يتعرّف شخصيتها مع أنه من ( المفترض ) أن يحمل قدرا من الفهم يجعله ينظر لأبعد من ذلك، وللأسف مثله الكثير. وأنا أعتقد أن هذا هو قمة الكيل بمكيالين.

    ثانيا المفاهيم المغلوطة: فما زال الجمال يقاس بناء على الشكل، وان طال أنفك أو قصر تغير مجرى حياتك، ولا أظن أن هذه المفاهيم ستتغير عما قريب.
    ولا أعرف أي وسيلة يمكن لها أن تغير مفاهيمنا المغلوطة - فعلى الرغم من أن عائلة لمياء وكما يبدو تحمل قدرا من الثقافة كون الأولاد والبنات جامعيون - لكن مازالت الأفكار القديمة البالية هي هي، فإن لم يكن التعليم هو الوسيلة لاصلاح الناس، فما هي الوسيلة؟

    ردحذف
  3. الوسيلة هي تبني ثقافة مجتمعية تنقي عقولنا من كل التفاهات و التخلف الموجودين عناو الازدواجية في المعايير ,عن طريق وجود معيار ثابت موجود ( و هو بالنسبة إلي الدين ) و التمسك به...
    قصصك رائعة و معبرة بشكل تام عن "الكيل بمكيالين" الموجود عنا...
    تحياتي !

    ردحذف
  4. to Sha3rawi
    أسمحلي أولا ان ابادلك التحية واشكرك على متابعة هذه المدونة.
    حقا أتمنى ان تنقى عقولنا من التخلف والازدواجية بل أن تغسل غسلاً،
    وعلى الرغم من وجود المعايير الدينة الصحيحة في حياتنا لكنها تبقى منهجا دراسيا نحفظها ونرددها، وقلما نتمثّل بها إلا من رحم ربي!

    ردحذف
  5. أهم شي تكون بيضا والباقي كله مقدور عليه

    وأهم شي يكون معاه فلوس والباقي كله مقدور عليه

    مش هاي المعادله تاعت الزواج عنا؟

    ردحذف