23‏/03‏/2010

تنظير !!!

" طفّاك القدر يا شمعتي.. خلاّني أذوق حسرتي.. "

على ألحان منبّه "سنوات الضياع" أفاقت خلود في الخامسة والنصف صباحاً ليبدأ مشوار العناء اليومي، استدارت ليمينها ونادت رجلها لتفيقه، " يللاّ قوم يا زلمة عنّا دوام" ( زلمة = رجل ، دوام = وظيفة - المصدر: معجم رد العامي إلى الفصيح).
فتح عينيه إلى نصفها وقال: "طيّب" وعاد وأغلق عينيه . قامت من فراشها متوجهة للحمّام، توضأت وعادت لغرفتها ونظرت إليه مرة أخرى " محمد يللاّ اصحا ".
مدت السجادة وأدّت صلاتها ولم تفقه منها شيئاً والأفكار تتزاحم في رأسها وهي تخطّط ليومها الطويل، قامت ونادت زوجها مرة ثالثة، أخيراً قام هذه المرة.
هرعت إلى المطبخ، وكأي موظفة بدأت بإعداد طعام الغداء حتى إذا ماعادت من وظيفتها وجدته جاهزاً، بدأت بتحضير "السندويشات" للأولاد، ولم تكد تنهي أول واحدة منها حتى صرخ زوجها: "خلود اعمليلي قهوة " - "حاضر استنّا شوي".
بعد دقيقة ونصف " خلود وين القهوة؟ " - " طيّب يا زلمة.. استنّا بس اخلّص سندويشات الأولاد ". بعد لحظات ناداها مرة أخرى فاستسلمت وتركت ما في يدها لتلبّي طبه أولاً.
أيقظت الأولاد من النوم، فأفاقوا على البكاء والعويل علّ أمهم ترحمهم من الذهاب للمدرسة، لكن دون جدوى، صرخت عليهم.. جرتهم مرغمين.. " إنتي اغسلي وجهك" - " إنت البس البوط "- " يا حمار. من مبارح حكيت لك جهّز الشنطة وحطّ الكتب والدفاتر.. ياربي! أنا لازم أعمل كل شي بهالبيت ".
انتعش الأولاد الآن، فتحوا التلفاز وبدأت حرب القنوات، mbc3 أو spacetoon ، بدأ الصراخ والضرب والسّباب، اشتدت المعركة، الأب انزعج، " يا مرا تعالي سكتي ولادِك ". ( مَرَا= كلمة امرأة منقوصة الأحرف والغرض الانتقاص من شخص المرأة - المصدر: معجم الألفاظ الدونيّة والسّوقيّة ).
قالت في نفسها (ولادِك)، نعم لقد أنجبتهم وحدها وعليها أن تفضّ النزاع وهو لا دخل له. نعم عليها أن تقوم بكل شيئ. انقضّت على الأولاد تنهر هذا وتضرب هذا، ثم عادت كالمجنونة لمطبخها لتنجز ما بقي من مهامها.
بسرعة البرق الساعة الآن السابعة والربع، ولم تنجز شيئاً وعليهم الآن أن يغادروا المنزل. قبل أن تتوجّه إلى الباب ذهبت لزوجها تمشي عاى استحياء وقالت: " محمد، اعطيني بطاقة الصرّاف الآلي لازمني شوية أغراض إلي وللبيت والأولاد ". - " ما في داعي هذا الشهر مصاريفنا كثيرة " - " بس الأشياء ضروريّة، طيب ما هو راتبي وبطاقتي ، من حقي اتمتع شوي بفلوسي وتعبي، لازم كل ما بدّي شي أطلب منك زي كإني بشحد، إنت ما بتعطيني أكثر من مصروفي وشكلي مقرف قدّام صاحباتي في الشغل، مرّات بدنا ... "
قاطعها فوراً وبصوت مرتفع نهرها: " شو فلوسي؟ خلصينا عاد مش شايفة وضعنا، بيكفيك اللّي بتوخذيه كل شهر، من متى المرا بتتأمّن على الفلوس؟ علشان تصرفيهن عالهبل والحكي الفاضي، يللاّ امشي اتأخرنا عالشغل " و هرع نحو الباب دون أن يعطيها فرصة لترد. خرجت مقموعة تجرّ أقدامها جرًّا وركبت السيارة ولم تنطق بكلمة.
دخلت غرفتها وجلست خلف مكتبها، فتحت الدرج وأخرجت كيسا مليئاً بالقهوة، صنعت إبريقاً من القهوة "السّادة" ونادت زميلاتها ليشاركنها احتساء القهوة، لا يمكن لموظف أياً كان أن يبدأ يومه دون فنجان القهوة!
كأي جلسة نسائية، كانت هذه الجلسة مفعمة بالغيبة والنميمة؛ على مدير العمل والزملاء في المكتب المجاور، الحماة والزوج وأخوات الزوج ...الخ.
في خضمّ الجلسة قالت إحدى الزميلات: " مبارح أخذنا الراتب وكمان أسبوع بيطير كلّه، زوجي ذبحني، بيعطي راتبه مصروف لأبوه وبيسدّد عن أخوه أقساط البنك، وبيظل راتبي يا دوب يكفينا لنص الشهر". انتفضت خلود ورفعت رأسها شامخاً وبصوتٍ عالٍ بدأت بإطلاق النظريات:
نظريّة رقم (1):
" كيف بتسمحيله؟ ليش إنت بتشتغلي علشان تصرفي عليه وعلى أهله، ساعديه بس بالمعقول مش ياخذ كل فلوسك، أنا والله بستلم راتبي وبخلّي 100 دينار مصرروفي وكمان 100 دينار بحوّشهم بالبنك للمستقبل، واللّي بيظل بساعد محمد بمصروف البيت ". علت وجه زميلتها كآبة واسودّ، قابلته خلود بابتسامة خبيثة، أخيراً استطاعت أن تعكس شيئاً من غِلّها على أحد آخر، هل عليها وحدها أن تعاني؟ فلينل العالم نصيباً ممّا تنال.
زميلة أخرى قابعة في الجلسة تنظر لخلود وتقول في نفسها: " آه... 100 دينار مصروف، ما هو باين على لبسك ولبس أولادك ! ها ".
والآن دور غيبة الأولاد، إحداهن تقول: " جنّنوني.. طول اليوم صراخ ولعب، نفسي أنام ولو ساعة زيادة.. "-" ما بيرضوا يكتبوا الواجبات غير بالضرب وما بيعرفوا يدرسو لحالهم غير أنا أحفّظهم. والله حفظت كتبهم لو بمتحن عنهم بيكون أحسن " - " بنتي مبارح جابتلي مسبّات بذيئة، كلّه من بنات عمها، آخر مرة تلعب معهم " - " معلمة الحضانة اشتكت من ابني.. مبارح دز ولد وخبطه بالسرير فتح راسه ونزل دمّه ". هنا استيقظت خلود مرّة أخرى، انتصب ظهرها:
نظريّة رقم (2):
" احنا بنلوم ولادنا على تصرفاتهم بس المشكلة فينا، لو بنحاورهم وما بنضربهم ما بيصيروا عدوانيين هيك، تصرفات ابنك بتعكس تصرفاتك معه. أنا دايماً إذا غلط واحد من أولادي بسأله: ماما ليش عملت هيك؟ وبفهمه غلطه بهدوء، أنا ولادي ما شاء الله عليهم" !!!
موضوع جديد: " يا حرام، شفتو شو صار مع سماح؟ زوجها سمّى ابنها الجديد فَالِح على اسم جدّه، يا حرام هو ظل حدا يسمّي هيك أسماء؟ ". أرادت خلود أن تصدح بنظريّة جديدة لكنها تذكرت ابنها البكر " نظمي" وابنتها " فاطمة " فآثرت السكوت.
الساعة الآن الثانية بعد الظهر. خرجت خلود متوجهة لبيتها وما أن فتحت المنزل حتى بدأت تنزع ثيابها مع كل ما حملته من ادّعاءات، لتعود الآن لحربها الأبدية مع الزوج والأولاد. لكنّ مشوار خلود مع النظريّات لم ينتهي، فما زال أمامها الكثير منها لتلقيها في وجه جارتها وحماتها وأمها وأختها..
أتدرون ما المشكلة؟ المشكلة هي أنّ خلود لا تعلم أنّها في مشكلة! فلا تشفقوا عليها ولا على معاملة زوجها لها ولأولادها. فما تعيشه خلود والكثير الكثير من الناس من ادّعاءات وتذبذب وأمراض نفسية هو ببساطة "أسلوب حياة".
ملاحظة: هذه القصة حقيقية وتحصل يوميا في معظم البيوت العربية.

هناك تعليقان (2):

  1. انا برأيي كل شركة أو مؤسسة لازم يكون من كادر موظفيها طبيب نفسي ... منه بنتعش سوقهم وبتخف الأمراض النفسية والاضطرابات اللي في مجتمعاتنا ... واللي كترانه ما شاء الله

    ردحذف
  2. "فلينل العالم نصيباً ممّا تنال"

    fair enough in this unjust world!

    ردحذف