حكاية من التراث الإفريقي
للكاتب السنغالي سليمان جيغو ديوب
أمينة امرأة طرشاء. لا تسمع زقزقة العصافير، ولا ضربات
المدق، ولاحتى رعود العاصفة.
كانت تملك حقلا صغيرا بجوار القرية. في كل صباح، عند
شروق الشمس، تضع طفلها الرضيع على ظهرها وتذهب للحقل. ذات صباح بينما هي تعتني
بغراس المنيهوت(*) ونزع الأعشاب الضارة، اقترب منها
"صيدو" الذي كان يبحث عن قطيع خرافه الضائع. كان صيدو أكثر طرشا من
أمينة. قال الرجل: " قطيعي ضائع. أنا ابحث عنه منذ الصباح. هل رأيته يمر من
هنا؟ ".
لم تسمع أمينة طبعا، ولم تفهم أي شيء. لكنها ظنت أن صيدو
يسألها إلى أين يمتد حقلها. أشارت بيدها قائلة:
" حقلي ينتهي هناك، تماما عند شجرتي الباؤباب اللتين
تراهما هناك. وبعده يبدأ حقل جارتي مريم ".
لما رأى صيدو ذراعها الممدودة، اعتقد أن أمينة تشير إلى
المكان الذي يوجد فيه قطيعه. قال لها:
" شكرا أنت لطيفة. بين قطيعي خروف رجله الخلفية
مكسورة. أصبح يعرج. إن وجدت القطيع سأقدم هذا الخروف هدية لك ".
توجه صيدو نحو شجرتي الباؤباب عند طرف حقل أمينة. هل هي
المصادفة؟ أم الحظ؟ بالفعل، وجد هناك قطيعه. أخذ الخروف الأعرج وقدمه لأمينة
قائلا:
" وجدت خرافي في المكان الذي أشرت إليه. وبما أني
وعدتك، هاك الخروف كهدية ".
لم تفهم أمينة شيئا. ولما رأت الخروف يعرج ظنت أنه يتهمها
بكسر قائمته، فغضبت، وأخذت تصرخ:
" لماذا تقول أني كسرت قائمته؟ أتتهمني وأنا لم أرى
هذا الخروف من قبل أبدا؟ أعرف كيف سأدافع عن نفسي. هيا إلى القاضي فورا ".
طبعا لم يسمع صيدو شيئا مما قالته، لكنه رأى امرأة في
حالة غضب شديد. وحسب أنها ترفض الهدية، وتريد خروفا بكامل صحته. غضب هو أيضا وصرخ:
" هذا الخروف الذي وعدتك به، وليس غيره. بما أنك لا
ترضين به، هيا إلى القاضي. هو من يستطيع أن يقول من منا على صواب ".
ذهبا إلى القرية لرؤية القاضي. وبقيا يتجادلان طيلة
الطريق ويكرران الأشياء نفسها دون أن يسمع أحدهما الآخر.
وصلا أخيرا غاضبين، منهكين من التعب، إلى ساحة القرية
حيث جلس القاضي بين شيوخ القرية تحت شجرة كبيرة ليحكم في شؤون الناس.
" بهدوء. بهدوء يا ولديّ، أراكما غاضبين جدا. ما
قصتكما؟ ".
ساد الهدوء المكان، لأن الجميع أرادوا أن يسمعوا ويروا
كيف ستسير جلسة العدالة. تكلم صيدو أولا:
" أضعت قطيع خرافي. ولما كنت أبحث عنه منذ ساعات
وساعات، صادفت هذه المرأة تعمل في حقلها. وعدتها بأن أهديها الخروف الصغير،
الأعرج، إذا ساعدتني في العثور على القطيع. دلتني على المكان قرب شجرتي الباؤباب.
وهكذا استعدته بفضلها، وقدمت لها الخروف الأعرج وفاء لوعدي. لم ترفض شكري فقط، بل
راحت تصرخ عليّ وتشتمني، لأنها أرادت الكبش الكبير السمين. سيدي القاضي تجب معاقبة
هذه المرأة، لأنها غير مهذبة ".
ولما بدا أن صيدو قد انتهى من روايته، خاطب القاضي
أمينة:
" دورك الآن، أخبريني بما حدث ".
" بينما أنا أعمل في حقلي، جاء هذا الرجل وسألني
أين تقع حدود حقلي. أشرت له بيدي، وقلت أنه يمتد حتى شجرتي الباؤباب. وذهب لا أدري
إلى أين. ثم عاد ومعه خروف أعرج ليتهمني بأنني أنا التي كسرت قائمته... لكنني لم
أر قطيعه من قبل أبدا. لماذا؟ وكيف استطعت كسر قائمة خروفه؟ يا سيدي تجب معاقبة
هذا الرجل، لأنه لم يقل الحقيقة ".
لسوء الحظ أن القاضي نفسه أطرش أيضا. لم يسمع كلمة واحدة
مما قاله صيدو وأمينة. ولكن لما كان ينظر إليهما وهما يتكلمان، اعتقد أنه فهم ما
قالاه. ظن أنهما زوجان. ورأى أمينة تحمل طفلا رضيعا على ظهرها، فحسب أنه فهم سبب
الخلاف، وقال للرجل:
أنا خجل من حديثك عن زوجتك بهذا الشكل. هذا الطفل هو
ابنك، انظر كم هو جميل وكم يشبهك. يجب أن تعطي امرأتك مصروفا يوميا، كي تستطيع
ارتداء ملابس جميلة تليق بزوجة، وكي تعد لك وجبات شهية. اذهب حالا وافعل ما أمرتك
به ولا تعد للشكوى، وإلا ويل لك ".
لما سمع الحاضرون هذه الكلمات، راحوا يضحكون. لم يسمع
صيدو وأمينة القاضي، ولم يفهما شيئا مما قاله. ولكن عندما رأيا الآخرين يضحكون،
أخذا يضحكان مثلهم.
_______________________________________
(*) المنيهوت: نبات يستخرج من جذوره دقيق نشوي.