" يولد الذكور في مجتمعنا وهم يرتدون ثوب القداسة، وكل ذنوبهم مغفورة وإن لم يقربوا كرسي الاعتراف. بينما تولد الأنثى في الخطيئة، وتقضي عمرها تدور في دوائر الشك والاتهام وتترافع عن براءتها علّها تستعيد روحها المسلوبة "
عندما تمر بسيارتك أمام منازلهم تعجبك حجارتها البيضاء ورتابة حديقتها وتلمح في فناء المنزل عائلة تحتسي القهوة وتقول في نفسك: يبدون سعيدين. فتحسدهم وتتمنى أن تكون مكانهم يوماً من الأيام.
عائلة تبدو مثالية، ذات سمعة محترمة، يبجلهم كل من يعرفهم، ولكن خلف هذه الأسوار تُروى قصة أخرى.
عائلة السيد عماد هي إحدى هذه العائلات. للسيد عماد زوجة، إمرأة لطيفة حسنة المعشر، وله أيضا أولاد ذكور وإناث.
وقد أرسى السيد عماد منذ بداية حياته العائلية عدّة من القواعد للتعامل مع أبنائه. وفيما يرى البعض أن هذه القواعد هي عنصرية مطلقة، يرى السيد عماد أنها شريعة ونهج قويم.
ولن نتكلم عن أبنائه كلهم فلكل منهم قصة شرحها يطول، لكن سنحدثكم عن البكر "سارة" ومن يليها "عمر".
بدأت الحكاية منذ زمن طويل منذ أن سمحت الأم لكل منهما باللعب خارجاً في فناء المنزل. أراد عمر وسارة ككل الأطفال اختبار صبر أمهم فتعدّوا أسوار المنزل وخرجوا للعب في الشارع، لكن أمهم كانت متسامحة ونظرت إليهم بابتسامة وخلت بينهم وبين مؤامرتهم، وسرقت نظرة مطمئنة من شباك المنزل من حين لحين.
لكن سرعان ما انتقضت هذه الطمأنينة بصراخ السيد عماد. صرخ بغضب من وسط الشارع: " كيف بتطلعي البنت تلعب بالشارع ؟ ما تظبيها تلعب عندك جوّا بالدار".
وجرّ الصغيرة بقوة من يدها للداخل وأطلق تهديداً صريحاً بضربها إن خرجت للشارع مرّة أخرى. انتفض قلب سارة وشعرت بشعور غريب، لم يكن مصدر هذا الشعور التهديد ذاته لأنها لم تفهمه أصلا! لكنها بدأت ترعى في قلبها خوفاً ورعباً من صاحبه.
ما لم تدركه سارة بعد أن كثرة خروج البنت للشارع أمر محرّم ومدعاة لكلام الناس، هذه هي أحدى تشريعات والدها الثمينة والتي وجب عليها أن تبدأ بتطبيقها من الصغر لتعدادها في الكبر.
ومنذ ذلك اليوم لم تلعب سارة خارج أسوار المنزل ولم تذهب حتى للدكان بينما كان كل ذلك متاحاً لعمر، ومازالت سارة لا تفهم سبباً لذلك، فقد وجب عكس الحال، فقد كانت أكبر من عمر وأجدر بأن تحمل هذه الثقة، لكنها لم تدرك بعد بأنها خلقت أنثى، (( وليس الذكر كالأنثى )).
ظنت سارة أنها إن كبرت سيتحسن الحال لكنه أفضى بأن يكون أسوأ!
عندما حان وقت المدرسة لُقنت سارة مجموعة من التعليمات عن أي طريق ستسلك وفي أي ساعة عليها أن تعود وبرفقة من ستذهب من بنات الجيران.
وفي أحد الأيام تأخرت سارة قليلاً عن وقت العودة، ساعة من زمن رافقت فيها صديقاتها للمكتبة لشراء بعض الملصقات لأبطال الكرتون وللدكان لشراء المثلجات، ورجعت للمنزل بابتسامة سرعان ما مسحتها صفعة على وجهها من أمها تليت بضرب طال جسدها كله كان كفيلا بأن يعلمها أن لا تتأخر مرة أخرى.
ولم تفهم سارة حقا ما الذنب الذي اقترفته، خاصة وهي تشاهد عمر يلعب بالكرة خارجاً مع أصدقائه كل يوم حتى تغيب الشمس دون أن يوبخه أحد أو يضربه أحد.
عندما أرادت سارة أن تشارك فتيات العائلة في ليلة مبيت في منزل خالتها عارض والدها الأمر بشدة، فياللعار! " ما عنا بنات بتنام بره الدّار".
وشيئاً فشيئاً لم تعد تملك الصديقات، فالصداقة تتضمن الزيارة والمشاركة، وياللعار! " شو بدهم يحكوا عنا الناس؟ بناتنا ليل نهار بتلف من دار لدار".
وبدأت سارة شيئاً فشيئاً تكتسب شعوراً بالشك والاتهام المزمن، بل بدأت تظن أنها هي العار بذاته!
ارتدت يوماً ثياباً جميلة وتحلت بأحلى حلّة لترافق أمها لزفاف أحد المعارف، فاصطدمت أمام الباب بعمر، الذي ما كان منه إلاّ وقد أصدر القرار بأن تعود سارة للوراء وتغير تلك الثياب وذاك الحذاء، فبالنسبة له لم يكن أي منها مناسباً ولم يكن يعكس وجهة نظر احترام العائلة، وعندما تجرّأت سارة على الرفض عادت أدراجها للداخل جرّاً وضرباً على مرأى ومسمع من أمها - تلك اللطيفة حسنة المعشر - والتي سعت لفضّ الخلاف لكنها لم تستطع أن تدفع عمر ليعدل عن قراره.
توجهت سارة لأبيها شاكية باكية، ولكن مم ستشتكي؟ أتشتكي تجرأ الأخ على ضرب أخته التي تكبره؟ أم تشتكي تدخله في أمر وجب على الوالدين لا على الإخوة أن يحسموه؟
واكتفى الوالد بتعنيف الولد، بينما خالجه شعور طيب، فقد أصبح ابنه الآن مسؤولاً وقوّاماً، لقد أصبح نسخة عنه، وأي فرحة تنتابه وقد صار ذاك الشبل من ذاك الأسد.
تستمر الحياة وتمر فيها الأيام على سارة ثقيلة مضنية، والآن تتأهب سارة للذهاب إلى الجامعة، وقد تفضّل والدها واشترى لها طلب الانتساب، وليس هذا وحسب! بل تكرّم بأن يسمح لها باختيار التخصص الذي تريد.
امسكت طلب الانتساب وبدأت تقرأ أسماء التخصصات والجامعات وعليها الآن أن تقرر. قد حصلت على معدل جيد جداً يوفر لها الكثير من الخيارات لكن عليها أن تكون حذرة! فعليها أن تختار أقرب جامعة وإلا ألغى الوالد الفكرة برمتها، وعليها أن تختار تخصصاً أكاديمياً بسيطاً، على الأغلب ستنتهي فيه كمعلمة وهذه هي الوظيفة الوحيدة التي سيسمح لها بأن تشغلها مستقبلاً، عليها حقاً أن تكون حكيمة في اختيارها، وعليها أن تفرح لما وصلت إليه، أولا يكفي أن وافق والدها على ذهابها للجامعة؟ فسينفق أبوها مالاً لتعليمها وسيذهب هذا المال هباءً منثوراً، فتعليم البنات مضيعة، وكيف لا؟ وهي ستنتهي لبيت زوجها وستعود ثمار تعليمها عليه.
لم تكن الجامعة ممتعة حقا، بل كانت تشبه كثيرا أيام المدرسة، فتذهب سارة في وقت محدد وتعود في وقت محدد وعلى أمها أن تراقب التوقيت جيداً، أما أبوها فقد حسب أجرة المواصلات بدقة فائقة وحدّد لسارة مصروفاً ينتهي بالضبط مع انتهاء الأسبوع لا قرشاً أكثر ولا قرشاً أقل، وكأنها كانت سترتكب كبيرة إن فاض مصروفها فيضاً يسيراً!
عامان فقط والتحق بها عمر إلى الجامعة، وفرحت العائلة به فرحاً شديداً وأقامت الاحتفلات، ولو استطاع والده أن يطلق مدفعاً كمدفع الإفطار من فوق المنزل لفعل لفرط فرحه وتهليله، وقد كانت الخيارات مفتوحة أمام عمر وليدرس ما يشاء، حتى لو اختار السفر للخارج، فنقود أبيه موجود من أجله، فهذا هو الولد فرحة الوالدين وعوضهم من الدنيا.
لكن عمر لم يكن يقوى على الغربة واختار الدراسة المحلية بين أحضان والديه، وفور وصوله الجامعة نجح في تكوين شعبيّة صارخة، قد كان عمر مرحاً جداً وكريماً جداً، وكان الرفيق الأمثل للرحلات وعزائم المطاعم وجلسات السهر حتى الفجر. وتمتع عمر في الجامعة قدر استطاعته، بل كانت الجامعة أمتع أيام حياته، واحتاج وقتاً أطول من غيره ليتخرّج لكن لم يناقش أحد خياراته، فقد كان عمر قدّيساً وكل أفعاله صائبة وكل قراراته محترمة.
كل هذا وسارة تراقب عن كثب، والبركان يتعاظم في داخلها وتقول لنفسها " يا ليتني لم أخلق أنثى...".
تخرّجت سارة من الجامعة وشرعت فوراً في البحث عن عمل لتجد حجّة تخرج بها من المنزل وتنقذ نفسها من الخدمة المضنية لساكنيه. ولكن وقبل أن تجد عملاً باغتها أوّل الخاطبين.
الخطبة؟ ليست الخطبة بالأمر الهين! ستمر الخطبة على سارة ثقيلة مضنية ككل أيام حياتها، وستجد نفسها في محاكمة طويلة جداً لتثبت أنها أهلٌ لها.
تبدأ الجلسة الأولى دوماً بالزيارة النسائية، وترتدي سارة ثياباً جميلة وتمشط شعرها وتدخل غرفة الضيافة وتبتسم، وشيئاً فشيئاً تنقضي الابتسامة ويحمرّ وجهها ويتصبّب العرق وتشعر بالإحراج الشديد، ألف عين وعين تحدّق بها وكأنها كائن طفيليّ تحت المجهر، أم العريس وخالته وجدته وأخواته وزوجات أخيه وجارتهم أم علي، جميعهن في منافسة حادّة للتحديق من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين.
شعرت سارة بأنها تذوب ولم تعد تسمع شيئاً أو ترى شيئاً، وبدأت تشعر بالغثيان وكادت تسقط حتى أيقظتها كلمات أم العريس " إحنا يا أم عمر جينا نخطب بنتكم علشان سمعة أبو عمر الطيبة".
عن أي سمعة طيبة يتحدثون؟
لكن عناء الجلسة أتى بثماره فقد نالت سارة إعجاب هيئة المحلفين وتم تحديد موعد الجلسة الثانية.
في هذه الجلسة يتواجه الطرفان، سارة والعريس، وتستمر منافسة التحديق لكن مع متسابقين جدد هذه المرّة، وتجلس سارة صامتة بعد أن صدرت التوجيهات لها بأن تبقى في الغرفة 15 دقيقة لا غير لتتعرف شكل العريس، وتترك مهمة المرافعة واستجواب شخصه المصون لوالدها.
وانتهت الجلسة على خير، وتم تحديد موعد الجلسة الثالثة ولكن بعد أسبوع، وهذا الأسبوع هو الأهم، تشرع فيه العائلات بالتمحيص الدقيق في شخص الآخر، وقد أظهرالعريس إبداعاً منقطع النظير إذ لم يترك باباً إلا وطرقه، سأل عن سارة عند الجيران والأقارب والأصدقاء، حتى أنه تتبع زميلاتها أيام الجامعة ليتحقق من سلوكها القويم. ولم يفلح في أن يجد زلّة واحدة كانت سارة قد اقترفتها فنالت بذلك حكماً محققاً بالبراءة.
ومن جهة أخرى أبدع والد سارة في السؤال، وتحقق من نسب العريس وعمله وماله وسلوكه ليصل إلى نتيجة مفادها بأنه عريس جيد.
والآن أعطيت سارة الفرصة لتفكر وما هي إلاّ أيام قليلة حتى اتخذت قرارها بالموافقة. وبذلك تكون حياة سارة قد وصلت لخط النهاية، فالزواج هو أقصى ما تحلم به وأقصى ما ستتمكن سارة من تحقيقه.
لكن هل اتخذت سارة القرار بناءً على الأسباب الصحيحة؟ بالطبع لا، فعندما شرعت سارة بالتفكير وجدت في الخاطب طوق النجاة من أبيها وإخوتها، فهو تذكرة سفرها نحو الحريّة، فبعد الزواج قد تخرج كما تريد وتتصرف كما تريد ولن تعود مراقبة أو متهمة.
وماذا بعد؟ وكيف تنتهي الحكاية؟ على الأغلب ستصبح سارة مستكينة كأمها وستعامل بناتها كأبيها فهذا ما تربت عليه وهو أقصى ما تعرف، وعلى الأغلب سيكون زوجها امتداداً لأخيها فكل ذكورنا يربّون بنفس الطريقة، وسنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة للأبد.
وقد أرسى السيد عماد منذ بداية حياته العائلية عدّة من القواعد للتعامل مع أبنائه. وفيما يرى البعض أن هذه القواعد هي عنصرية مطلقة، يرى السيد عماد أنها شريعة ونهج قويم.
ولن نتكلم عن أبنائه كلهم فلكل منهم قصة شرحها يطول، لكن سنحدثكم عن البكر "سارة" ومن يليها "عمر".
بدأت الحكاية منذ زمن طويل منذ أن سمحت الأم لكل منهما باللعب خارجاً في فناء المنزل. أراد عمر وسارة ككل الأطفال اختبار صبر أمهم فتعدّوا أسوار المنزل وخرجوا للعب في الشارع، لكن أمهم كانت متسامحة ونظرت إليهم بابتسامة وخلت بينهم وبين مؤامرتهم، وسرقت نظرة مطمئنة من شباك المنزل من حين لحين.
لكن سرعان ما انتقضت هذه الطمأنينة بصراخ السيد عماد. صرخ بغضب من وسط الشارع: " كيف بتطلعي البنت تلعب بالشارع ؟ ما تظبيها تلعب عندك جوّا بالدار".
وجرّ الصغيرة بقوة من يدها للداخل وأطلق تهديداً صريحاً بضربها إن خرجت للشارع مرّة أخرى. انتفض قلب سارة وشعرت بشعور غريب، لم يكن مصدر هذا الشعور التهديد ذاته لأنها لم تفهمه أصلا! لكنها بدأت ترعى في قلبها خوفاً ورعباً من صاحبه.
ما لم تدركه سارة بعد أن كثرة خروج البنت للشارع أمر محرّم ومدعاة لكلام الناس، هذه هي أحدى تشريعات والدها الثمينة والتي وجب عليها أن تبدأ بتطبيقها من الصغر لتعدادها في الكبر.
ومنذ ذلك اليوم لم تلعب سارة خارج أسوار المنزل ولم تذهب حتى للدكان بينما كان كل ذلك متاحاً لعمر، ومازالت سارة لا تفهم سبباً لذلك، فقد وجب عكس الحال، فقد كانت أكبر من عمر وأجدر بأن تحمل هذه الثقة، لكنها لم تدرك بعد بأنها خلقت أنثى، (( وليس الذكر كالأنثى )).
ظنت سارة أنها إن كبرت سيتحسن الحال لكنه أفضى بأن يكون أسوأ!
عندما حان وقت المدرسة لُقنت سارة مجموعة من التعليمات عن أي طريق ستسلك وفي أي ساعة عليها أن تعود وبرفقة من ستذهب من بنات الجيران.
وفي أحد الأيام تأخرت سارة قليلاً عن وقت العودة، ساعة من زمن رافقت فيها صديقاتها للمكتبة لشراء بعض الملصقات لأبطال الكرتون وللدكان لشراء المثلجات، ورجعت للمنزل بابتسامة سرعان ما مسحتها صفعة على وجهها من أمها تليت بضرب طال جسدها كله كان كفيلا بأن يعلمها أن لا تتأخر مرة أخرى.
ولم تفهم سارة حقا ما الذنب الذي اقترفته، خاصة وهي تشاهد عمر يلعب بالكرة خارجاً مع أصدقائه كل يوم حتى تغيب الشمس دون أن يوبخه أحد أو يضربه أحد.
عندما أرادت سارة أن تشارك فتيات العائلة في ليلة مبيت في منزل خالتها عارض والدها الأمر بشدة، فياللعار! " ما عنا بنات بتنام بره الدّار".
وشيئاً فشيئاً لم تعد تملك الصديقات، فالصداقة تتضمن الزيارة والمشاركة، وياللعار! " شو بدهم يحكوا عنا الناس؟ بناتنا ليل نهار بتلف من دار لدار".
وبدأت سارة شيئاً فشيئاً تكتسب شعوراً بالشك والاتهام المزمن، بل بدأت تظن أنها هي العار بذاته!
ارتدت يوماً ثياباً جميلة وتحلت بأحلى حلّة لترافق أمها لزفاف أحد المعارف، فاصطدمت أمام الباب بعمر، الذي ما كان منه إلاّ وقد أصدر القرار بأن تعود سارة للوراء وتغير تلك الثياب وذاك الحذاء، فبالنسبة له لم يكن أي منها مناسباً ولم يكن يعكس وجهة نظر احترام العائلة، وعندما تجرّأت سارة على الرفض عادت أدراجها للداخل جرّاً وضرباً على مرأى ومسمع من أمها - تلك اللطيفة حسنة المعشر - والتي سعت لفضّ الخلاف لكنها لم تستطع أن تدفع عمر ليعدل عن قراره.
توجهت سارة لأبيها شاكية باكية، ولكن مم ستشتكي؟ أتشتكي تجرأ الأخ على ضرب أخته التي تكبره؟ أم تشتكي تدخله في أمر وجب على الوالدين لا على الإخوة أن يحسموه؟
واكتفى الوالد بتعنيف الولد، بينما خالجه شعور طيب، فقد أصبح ابنه الآن مسؤولاً وقوّاماً، لقد أصبح نسخة عنه، وأي فرحة تنتابه وقد صار ذاك الشبل من ذاك الأسد.
تستمر الحياة وتمر فيها الأيام على سارة ثقيلة مضنية، والآن تتأهب سارة للذهاب إلى الجامعة، وقد تفضّل والدها واشترى لها طلب الانتساب، وليس هذا وحسب! بل تكرّم بأن يسمح لها باختيار التخصص الذي تريد.
امسكت طلب الانتساب وبدأت تقرأ أسماء التخصصات والجامعات وعليها الآن أن تقرر. قد حصلت على معدل جيد جداً يوفر لها الكثير من الخيارات لكن عليها أن تكون حذرة! فعليها أن تختار أقرب جامعة وإلا ألغى الوالد الفكرة برمتها، وعليها أن تختار تخصصاً أكاديمياً بسيطاً، على الأغلب ستنتهي فيه كمعلمة وهذه هي الوظيفة الوحيدة التي سيسمح لها بأن تشغلها مستقبلاً، عليها حقاً أن تكون حكيمة في اختيارها، وعليها أن تفرح لما وصلت إليه، أولا يكفي أن وافق والدها على ذهابها للجامعة؟ فسينفق أبوها مالاً لتعليمها وسيذهب هذا المال هباءً منثوراً، فتعليم البنات مضيعة، وكيف لا؟ وهي ستنتهي لبيت زوجها وستعود ثمار تعليمها عليه.
لم تكن الجامعة ممتعة حقا، بل كانت تشبه كثيرا أيام المدرسة، فتذهب سارة في وقت محدد وتعود في وقت محدد وعلى أمها أن تراقب التوقيت جيداً، أما أبوها فقد حسب أجرة المواصلات بدقة فائقة وحدّد لسارة مصروفاً ينتهي بالضبط مع انتهاء الأسبوع لا قرشاً أكثر ولا قرشاً أقل، وكأنها كانت سترتكب كبيرة إن فاض مصروفها فيضاً يسيراً!
عامان فقط والتحق بها عمر إلى الجامعة، وفرحت العائلة به فرحاً شديداً وأقامت الاحتفلات، ولو استطاع والده أن يطلق مدفعاً كمدفع الإفطار من فوق المنزل لفعل لفرط فرحه وتهليله، وقد كانت الخيارات مفتوحة أمام عمر وليدرس ما يشاء، حتى لو اختار السفر للخارج، فنقود أبيه موجود من أجله، فهذا هو الولد فرحة الوالدين وعوضهم من الدنيا.
لكن عمر لم يكن يقوى على الغربة واختار الدراسة المحلية بين أحضان والديه، وفور وصوله الجامعة نجح في تكوين شعبيّة صارخة، قد كان عمر مرحاً جداً وكريماً جداً، وكان الرفيق الأمثل للرحلات وعزائم المطاعم وجلسات السهر حتى الفجر. وتمتع عمر في الجامعة قدر استطاعته، بل كانت الجامعة أمتع أيام حياته، واحتاج وقتاً أطول من غيره ليتخرّج لكن لم يناقش أحد خياراته، فقد كان عمر قدّيساً وكل أفعاله صائبة وكل قراراته محترمة.
كل هذا وسارة تراقب عن كثب، والبركان يتعاظم في داخلها وتقول لنفسها " يا ليتني لم أخلق أنثى...".
تخرّجت سارة من الجامعة وشرعت فوراً في البحث عن عمل لتجد حجّة تخرج بها من المنزل وتنقذ نفسها من الخدمة المضنية لساكنيه. ولكن وقبل أن تجد عملاً باغتها أوّل الخاطبين.
الخطبة؟ ليست الخطبة بالأمر الهين! ستمر الخطبة على سارة ثقيلة مضنية ككل أيام حياتها، وستجد نفسها في محاكمة طويلة جداً لتثبت أنها أهلٌ لها.
تبدأ الجلسة الأولى دوماً بالزيارة النسائية، وترتدي سارة ثياباً جميلة وتمشط شعرها وتدخل غرفة الضيافة وتبتسم، وشيئاً فشيئاً تنقضي الابتسامة ويحمرّ وجهها ويتصبّب العرق وتشعر بالإحراج الشديد، ألف عين وعين تحدّق بها وكأنها كائن طفيليّ تحت المجهر، أم العريس وخالته وجدته وأخواته وزوجات أخيه وجارتهم أم علي، جميعهن في منافسة حادّة للتحديق من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين.
شعرت سارة بأنها تذوب ولم تعد تسمع شيئاً أو ترى شيئاً، وبدأت تشعر بالغثيان وكادت تسقط حتى أيقظتها كلمات أم العريس " إحنا يا أم عمر جينا نخطب بنتكم علشان سمعة أبو عمر الطيبة".
عن أي سمعة طيبة يتحدثون؟
لكن عناء الجلسة أتى بثماره فقد نالت سارة إعجاب هيئة المحلفين وتم تحديد موعد الجلسة الثانية.
في هذه الجلسة يتواجه الطرفان، سارة والعريس، وتستمر منافسة التحديق لكن مع متسابقين جدد هذه المرّة، وتجلس سارة صامتة بعد أن صدرت التوجيهات لها بأن تبقى في الغرفة 15 دقيقة لا غير لتتعرف شكل العريس، وتترك مهمة المرافعة واستجواب شخصه المصون لوالدها.
وانتهت الجلسة على خير، وتم تحديد موعد الجلسة الثالثة ولكن بعد أسبوع، وهذا الأسبوع هو الأهم، تشرع فيه العائلات بالتمحيص الدقيق في شخص الآخر، وقد أظهرالعريس إبداعاً منقطع النظير إذ لم يترك باباً إلا وطرقه، سأل عن سارة عند الجيران والأقارب والأصدقاء، حتى أنه تتبع زميلاتها أيام الجامعة ليتحقق من سلوكها القويم. ولم يفلح في أن يجد زلّة واحدة كانت سارة قد اقترفتها فنالت بذلك حكماً محققاً بالبراءة.
ومن جهة أخرى أبدع والد سارة في السؤال، وتحقق من نسب العريس وعمله وماله وسلوكه ليصل إلى نتيجة مفادها بأنه عريس جيد.
والآن أعطيت سارة الفرصة لتفكر وما هي إلاّ أيام قليلة حتى اتخذت قرارها بالموافقة. وبذلك تكون حياة سارة قد وصلت لخط النهاية، فالزواج هو أقصى ما تحلم به وأقصى ما ستتمكن سارة من تحقيقه.
لكن هل اتخذت سارة القرار بناءً على الأسباب الصحيحة؟ بالطبع لا، فعندما شرعت سارة بالتفكير وجدت في الخاطب طوق النجاة من أبيها وإخوتها، فهو تذكرة سفرها نحو الحريّة، فبعد الزواج قد تخرج كما تريد وتتصرف كما تريد ولن تعود مراقبة أو متهمة.
وماذا بعد؟ وكيف تنتهي الحكاية؟ على الأغلب ستصبح سارة مستكينة كأمها وستعامل بناتها كأبيها فهذا ما تربت عليه وهو أقصى ما تعرف، وعلى الأغلب سيكون زوجها امتداداً لأخيها فكل ذكورنا يربّون بنفس الطريقة، وسنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة للأبد.
صدقتي بكل حرف حكيتيه
ردحذفالشب ملاك لو شو ما عمل
والبنت متهمة لو ما عملت اشي
مجتمع غلط
هيك لعاد صرنا احنا الذكور اس البلاوي :)
ردحذفسرد القصه فعلا جميل. بتمنى ما يكون في قصص كثيره زي ساره وبتمنى انها نفسها ما تعيد القصه مع بناتها زي ما عاملتها والدتها.
يا ساتر!
ردحذفديمن بحكي انو كل بنت هاي عبارة عن مشروع فضيحة
بس صدقيني امبارح اكتشفت انو في بنات فضايح فعلا!
بعرف تعليق مالو خص:)
صباح السرور والورد والمنثور
ردحذفنعم هناك ساره في كل بيت ..وان لم تتشابه الاسماء واختلفت الاحداث الا انني أجزم ان كل بنت في العالم العربي عاشت في ثوب ساره في مرحله ما من حياتها او في ما يتعلق بقرار ما واجهته ...وللاسف لا زلنا بالرغم من ادعائنا بالتقدم والتطور وانفتاحنا وتجدد مفاهيمنا لا زلنا ننظر الى البنت ونعاملها بطريقه مختلفه...قد تكون بدافع التجبر والتحكم...وقد تكون بدافع الحمايه من الاشرار وقد يكون بدافع الخوف من الفضايح...الى ان يترسخ في ذهن البنت انها بالفعل كائن ضعيف ...أقل درجه من الولد وتواصل هي مسيرتها مع ابنائها على هذا النهج
هذه هي النظره الدونيه المغروسه اساسا في نفس حواء الشرقيه وهي ما يجعلها ترضخ لكل ما مرت به ساره ...فكرك كم مليون سنه نحتاج حتى نخلص منها؟؟؟
سارة نراها في كل مكان! للأسف :(
ردحذفمجتمع ذكوري بامتياز (امتياز سلبي بطبيعة الحال)
مرحبا LUNAR:
ردحذفمجتمعنا مقلوب الموازين للأسف والمؤسف أكثر أنه الأمل بعيد بالتغيير.
مساءك سعيد.
مرحبا jaraad:
أكيد الذكور مش هم أس البلاوي بس بيساهموا بجزء كبير من المعاناة المفروضة على الأنثى.
للأسف ألوف مؤلفة بيعشوا زي سارة وأسوأ كمان في عالمنا العربي وللأسف التاريخ بيعيد نفسه عند كثير من الناس ومش الكل بيسعى يتعلم من تجاربه علشان يخلق لنفسه حياة أفضل.
بيشرفني انه قصصي بتنال اعجابك وبيشرفني مرورك الدائم.
مياسي:
ردحذفحرام عليك ظلمت البنات!
أحنا مشروع فضيحة؟
لو العالم اعطانا ثقة اكثر وعاملنا احسن وتفهمنا اكيد راح نثبت انا بنستحق لقب الفضيلة والانسانية.
مساءك سعيد أشرف:
ردحذفدائما تخجلني بكلماتك الجميلة والثمينة وصدقا اعجبني وصفك لحروفي بالثائرة، شكرا لك على تشجيعي الدائم.
اوافقك تماما بان النهج الذي يسلكه الاباء كعماد عقيم والدين منه براء، واني اعتقد ان هذا الاسلوب من الضغط والكبت احيانا يدفع بالابناء لحافة الهاوية ويغريهم باهدار الكرامة والشرف.
اتمنى انا اتفاءل مثلك حقا في الجيل القادم، لكني حقا لا ارى بشائر لذلك بعد، فمن تعاملي مع بعض الصديقات والزميلات استنتج تمسكهن بالافكار البالية البائسة على الرغم من صغر سن الكثير منهن.
كل الود ومساءك سعيد
مساء الفل يا أحلى نسان:
ردحذفصدقت حقا!
كل بنت في العالم العربي لابد وان عاشت شيئا مما عاشت سارة، ومهما اختلفت الاسباب التي تدفعنا لمعاملة البنت بطريقة مختلفة فلا بد ان يحفر ذلك اثرا عميقا في نفسها حتى تقتنع بانها مختلفة وانها ادنى مرتبة من الولد.
لكنني اتساءل: لو اعطيناها الثقة ما الذي سيحصل؟ انا مقتنعة بان الكثير من البنات سيكن اهلا لها، فقط لو تتاح لهن الفرصة.
كم سنة نحتاج لنتخلص من هذه النظرة الدونية؟
بالنسبة لي لن نتخلص منها ابدا وستقوم علينا الساعة ونحن هكذا الولد قدّيس والبنت متهمة.
مرحبا هيثم:
ردحذفلان مجتمعنا يمتاز بهذه السلبية كونه ذكوري فسنظل نقبع بالتخلف والجاهلية الى ما شاء الله.
مساءك سعيد
معك كل الحق و الله!
ردحذفبرافو عليكي.. والله في اشي جاي عبالي أحكي بس ما بينحكى!!
ردحذففعلاً اشي موجود بكل بيت.. حتى العائلات المتفتحة، دائماً في تمييز للشاب. أكيد بمجتمعنا البنت ديماً تحت المراقبه مش متل الشاب، البنت بالتالي ما بينفع تتمتع بحرية مثل الشاب، بس اشي ومنو..
مرحبا blabbrgirl ...
ردحذفاهلا وسهلا فيك وبمرورك الاول للمدونة مش مهم مدى تفتح او ثفافة العيلة لانه هاي ثقافة مجتمع، يعني ممكن تفترضي انه السيد عماد صاحب دكانة او دكتور جامعة وراح يتصرف نفس التصرف مع بنته.
المشكلة انه البنت ما بتتعامل كانه عندها روح وبحاجة انها تطلع وتشوف الدنيا وترفه عن نفسها، خلي شب واحد يحط مكانه مكان اي بنت وينحبس بالبيت لايام وما يطلع وبعدين يحكيلنا كيف شعوره راح يصير.
نهارك سعيد
أولا .. أبدعت يداك !!
ردحذفثانياً .. لن تصدقي ان قلت لك ان عيوني قد ادمعت قليلاً .. الحمدلله نحن في العائلة لا توجد لدينا مثل هذه العادات .. واختي الوحيدة هي صديقتي المفضلة ..
اعلم ان هذه القصة موجودة في مجتمعنا .. لكني آمل بأنها قد بدأت تضمحل .. المهم .. اعتقد ان سارة قد قطعت تذكرة لتلبس كفنها الابيض زز فقد كان اقصى ما تحلم به !!!
رمضان كريم
للاسف هاد شي موجود بمجتمعنا وحتى لو بعض الناس انكرو وجوده او تطبيقه
ردحذفو اكيد في بنات كتير عانو من هالشي لو مش بالبيت, بالجامعه او بالشغل
موضوع هروب البنات من بيت الاهل لزواج مش مقنع برضه للاسف بتصير كتير...الله يعين العالم
لكن في موضوع انها تطبق نفس طريقه التعامل مع بناتها هون بتصير "سارة" ظالمه مش مظلومه, وما بحط الحق على طريقه تعامل الاهل معها بانها تعطي لنفسها الحق بالاستكانه و تطبيقه على بناتها, هون هي بتقدر تعمل فرق و تعبّر عن رفضها للماضي بطريقة تعاملها مع بناتها
مرحبا أحمد ورمضان كريم:
ردحذفسامحني ما قصدت ازعلك بس والله واقع وبنعيشه، الحمدلله على معاملة أهلك الطيبة والله هيك اهل نعمة والله يخليك لأختك يا رب.
صحيح وانا اميل لكون ثوب الزفاف هو الكفن الابيض لان معه تنتهي مسيرة حياتها وكل يوم تعيشه بعده هو تكرار لما قبله، واتمنى مثلك بان تنقضي ظاهرة سارة من حياتنا للابد.
مساءك سعيد ويسبر وكل عام وانت بخير:
ردحذفبوافقك الراي انه سارة لو سارت على نهج الاهل راح تصير ظالمة مش مظلومة ولازم تسعى للتغيير، لكن أنا اخترت هيك نهاية لاني صدقا تعاملت مع كتير ناس عانوا من ظلم اهاليهم وبعدين رجعوا كرروا نفس الاسلوب والمنهج وما كلفوا حالهم يسعوا نحو الافضل لاولادهم ابدا.
لكن انشاء الله زي ما حكا احمد تضمحل ظاهرة سارة شوي شوي.
أبدعتي في نقل صورة من الواقع الأليم
ردحذفليس لي تعليق لأزيده على ما قيل ..
الله بس يهونها على الجميع
مرحبا Palestinian Princess :
ردحذفرمضان كريم
والله يسمع منك ويهونها على بنات العرب والمسلمين.
بس انو بدي احكي لويسبر شي لو سمحتي كياله
ردحذفمتل ما حكت كياله في ناس بيرجعوا يكرروا نفس الشي ع اولادهم فعلا
انا اكتشفت انو الاضطهاد عباره عن سلسله بتكرر معظم الوقت للأسف
مش عارفه ليش بنميل نكرر نفس الاغلاط اللي واقعه علينا
يمكن لانو عدم تغييرها اسهل فعلا!!
على فكره امبارح اتذكرت تدوينتك اجت اختي تحكيلي كيف مديرها بالتدريب بيشاورها شو يحط لبنتو بطلبات الجامعه ما بدو اياها تشتغل بشركات وبنفس الوقت البنت ما بدها تشتغل معلمه!!
كيف بدها تزبط هاي مش عارفه؟!
على شو تعتذري ... ما زعلتيني لشخصي
ردحذفانا قلت اني دمعت لما حسيت بالبنت قديشها مظلومة ومقهورة !!
تحياتي
مساء سعيد أحمد:
ردحذفأكيد ما زعلتك لشخصك ، بس كان الاعتذار لاني خليتك تتأثر لهالدرجة ونزلت الدمعة من عينك.
وتأكد اني بحترم وبشدة الشخص اللي عنده مشاعر تجاه الاخرين وبيحس فيهم.
كل الود.
كلماتك جميلة مؤثرة
ردحذفوبجد معبرة ...
اسلوبك جميل صدقاًاستمتعت بالمقالة .. لكن فيها نوع من التحامل بشكل كبير ..
وحاسس انو الناس تغيرت مش زي اول مع اني مقتنع انو مثل عماد في الوف مؤلفة ... وهاد نتاج العادات و التقاليد السخيفة و التي نقدسها وطبعاً و اكيد الفهم الغلط للدين ...الذي يتحمل العبئ الاكبر دون وجه حق ...
المرأه انسانة مثلها مثل غيرها تفكر تحس .. تعمل تطمح ... وتحلم .. ليست ضلع قاصر .. بل هي بشر مثلنا ...
عنجد انوا هاد الموضوع تبع الأزدواجية بغيظني وبقهرني وبيجلطني وعنجد لازم نعمل على تغيروا وما نضل ندور بحلقة مفرغة زي ما حكيتي بالأخير !!
ردحذفمرحبا "هنا" وشكرا على مرورك:
ردحذفالبركة فينا كجيل جديد لازم إحنا نسعى للتغيير وما نكرر تصرفات أهالينا مع أولادنا أبدا
مساءك سعيد
صدقتي عزيزتي
ردحذفكان الله بعون كل انثى
:)
تقبلي مروري
العزيزة (كوني طيبة)
ردحذفشكرا لمرورك ولإضافتك..
أهلا وسهلا بك دائما..