نص أدبي نشر في مجلة الكرمل في عددها الثاني لربيع عام ١٩٨١م ... يروي حكمة فلاّح... وعلى الرغم من أنه كتب قبل ثلاثين عاماً، حتى أن كاتبه يدّعي أنه دوّن قبل آلاف السنين... إلاّ أنه يشبه شيئاً ما سمعته البارحة... إليكم النص الكامل:
"برديـــات" بقلم مصطفى هيكل..
هذه البرديات، عثرت عليها وحاولت التثبت من صحتها فلم أوفق، وأنا لست وحدولوجيا حتى أكشف عن زيفها فالأصدقاء الذين سألتهم عنها، أكدوا عدم سماعهم بها أو معرفتهم لقائلها أو موقعه من التاريخ. فعسى أن تأتي البحوث الأثرية بما يجلي غامضها، ويهدي إلى تبيان حقيقتها.
أنا الفلاح كــامــا
أنا الفلاح كاما الساكن بالقرب من تانيس، لم أفكر أبداً في أن يدوّن كلامي. ولكن المسؤول عن ذلك، هو الكاتب الذي أتى من المدينة، ليكتب ما يشاع عني من أقوال، مدّعياً أهميتها للتاريخ والأجيال.
أنا لا أعرف فائدة ما سيكتبه. لكنه أظهر حماساً عندما نصحته بالمجيء معنا للعمل في الحقل، لأن المعرفة عمل، ولأن عملي وعمل زوجتي وأولادي لا يكاد يكفينا.
فالحكمة التي تكتسب من عرق الآخرين مزيفة.
أرجو أن يكون قد كتب ذلك.
البخور
...............................
............كامـــــــا.........
إذا أردت يا ولدي أن تعرف مقدار المنحة التي تلقاها الكاهن، فانتبه إلى البخور، لأن جودة البخور من جودة العطايا.
الملعون
كثيرا ما كان كاما يقول:
المتكلم الذي لا يسمع ثرثار، والمعلم الذي لا يتعلم جاهل.
أما الإنسان، يا ولدي، الذي يأخذ ولا يعطي، فملعون ملعون، وناقص الإنسانية.
عادة الكلاب
قال كاما:
لا تظن، إذا رأيت كلبك يتمسَّح بين قدميك ويلعق نعليك بأنه طيب ولطيف.
وإنما يجب أن تعرف أن هذه هي عادة الكلاب.
النقود
كنت أتحدث مع كاما فسألته:
هل صحيح أن النقود لا رائحة لها؟
فأجاب غاضباً:
لا يا ولدي، النقود عمل وإلا فهي دم.
الحقيقة
....................... كاما؟.
أكثر شجاعة من قول الحقيقة عن فرعون، هو قول الحقيقة للفرعون.
الموت
قال كاما:
الموت يا ولدي نهر، إذا تعودت على الاستحمام فيه، فإن عرض حياتك سيكون أكثر من طولها، مهما طالت.
الواعظ
قلت لكاما:
ما أثقل واعظ المعبد!
فقال:
بل ما أثقل الوعّاظ. نحتوا مثالا لم يستطيعوا أن يكونوه، فراحوا يصيحون لدى الآخرين، ليل نهار، ليكونوا مالم يكونوه.
الغضب
أشار كاما مرة إلى أحد المارين في الطريق وقال:
هذا الرجل يائس حقيقي.
قلت:
ألأنه لا يستطيع الضحك؟
قال كاما:
لا يا ولدي، ما أكثر الذين يستطيعون الضحك. إنه لا يستطيع الغضب، وإن غضب، فإنه لا يستطيع الغضب من كل قلبه.
النسيان
قلت لكاما:
سمعتهم يرددون بأن النسيان رحمة
فقال غاضباً:
النسيان لعنة، لعنة يا ولدي، فالذين لا يتذكرون يكررون في المستقبل أخطاء الماضي وحماقاته.
اللصوص
قال كاما:
إذا أراد الحاكم أن أن يفتش عن اللصوص، فليبدأ بتفتيش حظيرته، لأن اللصوص الأذكياء يختبؤو في حظائر الحكام.
طنين النحل
عندما قلت لكاما ماذا يعجبك في طنين النحل، قال:
إن النحل لا يطن. إنه يقول: خير من يحب الخير، وجميل من يعشق الجمال، وعادل من يقاتل من أجل العدل. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يقولون بأن النحل يطن.
الحاكم
قال كاما:
تعذبت مرتين أمام الحاكم. مرة عندما سمعت نكتته السخيفة. ومرة ثانية عندما كان علي أن أنفجر بالضحك الطويل.
العدو
كان كاما يقول دائماً:
اكره عدوك بكل قوتك تنتصر عليه، لأن العبودية هي أن تألف العدو.
حكمة النملة
حكى كاما:
قال رجل لامرأته: اسمعي الحكمة التي تقولها النملة لزميلتها: ((سعيدة هي المرأة التي تطيع زوجها)). فقالت المرأة لزوجها: يا للجرأة إنك تقلب الكلام يا رجل. فالنملة تقول: ((سعيد هو الرجل الذي يطيع زوجته)).
والحق ياولدي أنها كانت تقول: (( النجدة النجدة، سقطت خشبة على ظهر النملة )).
الكلمة
سمعت كاما يقول:
الطاغية يأمر رجاله قائلاً: احصدوا الهمسات قبل أن تحصدكم الصرخات.
ولكن ما أسوأ مصيره، ظل يشنق الكلمات، حتى شنقته كلمة واحدة أرادها الجميع.