لمـــــاذا لا نـقـرأ ؟
الكاركتير تعليقاً على نتائج استطلاع للرأي نشرته ياهو مكتوب للأبحاث في الثالث من آذار
وفقا لهذا الاستطلاع فإن سكان الأردن ولبنان والجزائر هم الأقل قراءة في العالم العربي
وأن الشباب هم الفئة العمرية الأقل قراءة
عندما تحين الحاجة لقراءة كتاب جديد أتوجه ببساطة لأحد معارض الكتب المحدودة نسبياً في مدينتي (إربد)، معرض دار الكتاب أو دار الأمل للنشر والتوزيع وغيرها، والتي تتمركز جميعها في شارع جامعة اليرموك أو بالقرب منه. بإمكانك أن تجد تنوعاً جيداً من حيث الموضوع بالإضافة لتجديد مستمر في عناوين الكتب، لكن العقبة الواضحة هي سعر الكتاب نفسه.
لا يمكن أن تشتري رواية جديدة بأقل من 7 أو 8 دنانير في المتوسط، كتب الجيب والتي يمكن حملها بحقيبتك الصغيرة لا تقل عن 4 أو 5 دنانير بغض النظر عن موضوعها، بعض الموسوعات المصورة الخاصة بالأطفال يصل سعرها ل 20 أو 25 دينار وحتى بعض قصص الأطفال البسيطة لا تقل عن دينار ونصف أو دينارين...
إذاً فالكتاب ببساطة بحاجة لميزانية، وبالنسبة لي كإنسانة أملك راتباً شهرياً مع مسؤوليات بسيطة من الممكن أن أتحمل نفقة كتاب من وقت لآخر.. أما القارئ الشاب إن كان طالب مدرسة مثلاً فلن يتسع مصروفه الضئيل الذي يقاس بعشرات القروش لشراء كتاب ما، وحتى الشاب الجامعي سيعاني من نفس العقبة بمصروفه الضائع ما بين المواصلات والكتب الجامعية والنفقة الشخصية..
إذاً هل سيتمكن الوالدان من تحمل مثل هذه النفقة؟
إذا كان سعر الموسوعة المصورة يكفي لشراء حاجة العائلة الشهرية من البطاطا والبندورة وسعر الرواية يكفي لشراء 2 كغم من اللحم النيوزلندي، فبالتأكيد ستتفوق الوجبة اليومية على الكتاب، فالجوع قد يكون قاتلاً لكننا لم نسمع يوماً عن أحد ما مات من نقص الثقافة!
المكتبات العامة محدودة جداً جداً، في محافظة إربد (ثاني أكبر المحافظات الأردنية)، توجد مكتبة واحدة فقط متاحة للعامة تابعة لبلدية إربد تقع وسط البلد، تغلق أبوابها عصراً وفي أيام العطل الرسمية كأي مؤسسة حكومية، إذاً ففي الوقت الذي يكون فيه الطالب متفرغاً لزيارة المكتبة تكون المكتبة مغلقة!
وطبعاً لا ننسى أن الوصول للمكتبة سهل لأبناء المدينة ذاتها ولكن يصعب جداً على أبناء القرى المجاورة زيارة المكتبة بانتظام وربما تستحيل على بعضهم مثل هذه الزيارة، وهناك عشرات القرى تابعة لمحافظة إربد وأغلبها قرى صغيرة الحجم لا تتوفر فيها بلدياتها الخاصة.. إذاً لا مكتبات..
بإمكان الطالب أن يعتمد على المكتبات التابعة للمؤسسة التعليمية التي يدرس فيها، لكن المشكلة أن أغلب هذه المكتبات تصلح لأن تكون متحفاً أثرياً للكتب، الموضوعات المعروضة قديمة وكم كبير من الكتب يكون على هيئة قواميس ومراجع ضخمة، لا يوجد أي اهتمام بما هو جديد، والكتب لا تشجع أحداً على المطالعة، فلا يمكن مثلاً أن تجد في مكتبة مدرسة رواية ما لباولو كويللو مثلا أو كتاباً لطارق سويدان، ونعود للعقبة الأولى وهي ارتفاع سعر الكتاب و(عدم وجود ميزانية) وهذا العذر الذي تتذرع به مكتبات المؤسسات التعليمية لتبرّر سوء أوضاعها.
البعض اليوم يدعو للتوجه إلى الكتاب الإلكتروني كحل لمشكلة الحصول على الكتاب، لكن المشكلة الأساسية تكمن في الحصول على بنية تحتية إلكترونية لقراءة هذا الكتاب، وكم عدد العائلات الأردنية التي تملك جهاز كمبيوتر أو تقدر على تحمل نفقة اتصال شهري بشبكة الإنترنت؟ إذاً نعود لنقطة البداية وسوء الأوضاع المادية مرة أخرى..
بالإضافة أن الجلوس خلف الشاشة لساعات لقراءة كتاب أمر مرهق وغير ممكن وممل للبعض وهذا يشملني أنا شخصياً..
في مبادرة أطلقتها جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظمة تحت اسم "مكتبة الأسرة الأردنية ومهرجان القراءة للجميع" وبالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية تم توفير الكتاب بأثمان زهيدة جداً (35 قرش)، وقد كان هذا المشروع في بداياته رائعاً ولاقى إقبالاً واستحساناً جماهيرياً وتوفرت كتب متنوعة في المضامين والعناوين، وربما كان هو الحل الأمثل لتخطي عقبة الحصول على الكتاب وارتفاع ثمنه.
لكنه وعند انعقاده في نهاية العام المنصرم كان مخيباً للآمال، فقد كانت العناوين المطروحة مملة ومكررة، وأذكر أنني زرت المعرض الخاص بالمهرجان بحثاً عن كتاب محدد "مقامات الهمذاني" لكنني لم أجده فقد نفذ منذ اليوم الأول وتكدست باقي الكتب ولم يرغب بشرائها أحد... ومن وجهة نظري فإن هذا يدل على سوء الإعداد والتنظيم من قبل المشرفين على هذا المهرجان، ويجب تلافي تكرار مثل هذا الأمر لأن ذلك سيسهم في إجهاض الفكرة قبل إتمام أهدافها.
ولا ننسى أن هذه المعارض تقام بالعادة في مركز المدينة مما يعني بالضرورة استثناء أبناء القرى وهم الفئة الأكثر تضرراً من متلازمة صعوبة الوصول للكتاب وارتفاع ثمنه، بل إن البعض منهم لا علم له بوجود مثل هذه المعارض!
من ناحية أخرى، كان الكتاب في الماضي الونيس والصديق والهواية والمتعة، أما اليوم فيتزاحم الأصدقاء من قنوات فضائية وDVD وموبايل وكمبيوتر وإنترنت ومول ومطاعم ووو.. ويبدو أنها جميعاً أكثر إمتاعاً من الكتاب. وبذلك تندثر ثقافة القراءة يوماً بعد يوم... ويصبح الكتاب ضرباً من ضروب الكماليات...
ولو سألني أحد ما لماذا علي أن أقرأ؟ وأين سأصل بالقراءة؟ لا أخفيكم ستشكل علي الإجابة..
فقراءة كتاب لا تشتري وجبة عشاء أو تدفع فاتورة كهرباء.. وماذا يعني لو كنت مثقفاً أو غير مثقف؟ وما الفرق؟
ربما ليس هناك فرق... وإجابة عوض الأردني الأصيل في الكاركتير هي أكبر برهان على ذلك...