محمد بالعادة واحد كشر ونكد، ومنظره عالصبح بيقطع الخميرة من العجينة، واليوم بالذات كانت ملامح وجهه كفيلة بإنها تمحي أي أمل متبقي عند الناس بالعالم, أو حتى إنها تهدّ الجبال! وجهه أسود وبوزه شاحط عالأرض وعيونه ضيقة وزي اللي بده نكشه عشان ينزل فيك ضرب.
طبعاً بما أني صاحبه بالشغل ومكتبي جنب مكتبه، لازم أسأله عن حاله وعن السبب لكل هالملامح على هالصبح، وراح تتفاجؤوا إنه صاحبي محمد عنده دايما مبررات منطقية ومقنعة.
بديت بالجملة الاعتيادية اللي ببدا فيها دايماً:
- يا فتّاح يا عليم، خير مالك على هالصبح؟
- يا زلمة عف عني مش ناقصك إنت كمان.
- لا بالله عليك تحكيلي، يمكن أعرف أهونها عليك، يالله فضفض شوي.
- طيب. خذ يا سيدي.
مبارح رجعت تعبان كالعادة من الشغل وبس أكلت، حطيت راسي عالمخدة بس لأرتاح شوي، 5 دقايق وبتصل أبوي بده أوصله على بيت أجر لواحد من القرايب. طيب يابا هسه أنا راجع من الشغل.. اتصل بواحد ثاني من إخوتي.. شوف جمال شوف أسامه.. طلعوا كلهم سبحان الله مشغولين! ما هم إخوتي هيك دايماً ما إلهم علاقة وبتطلع براسي..
- معلش يا أخي، بعدين بيظل أبوك.. أجر وثواب بتكسبه بهالختيار.
- ما أنا هيك حكيت لحالي وفعلا قمت بدي أطلع وتمسكني مرتي، وعلى قولها إنت بس شاطر تروح تجري لما أبوك بده إشي وأنا إلي أسبوع بترجاك تصلح كيزر الكهربا ومش راد علي، وصارت تصرخ وسمّعت كل الحارة، فحلفتلها يمين غير يتصلح اليوم بس تسكت.
- وبعدين؟
- ولا شي وصلت أبوي ورجعته ورحت أدوّر عالكهربجي، ولا أنا كهربجي وبرضى آجي، قال هو الثاني تعبان وخلص دوامه! حلفتله غير آخذه وأجيبه بالسيارة وأعطيه اللي بده إياه ترضي ييجي، وهو الثاني ما كذّب خبر قصني بالأجرة الله لا يوفقه! بس شو بده الواحد يحكي؟
- يا سيدي مش مهم، المهم المرة حلّت عنك.
- يا ريت! بس رجعت حكت لي لسه ظايل وقت بالنهار خلينا نروح عالمؤسسة نشتري أغراض، حكيتلها يالـلا ما هي خربانه خربانه! ويا حزرك شو صار معي بالمؤسسة؟
- شو؟
- اشترينا الأغراض وصفينا بالدور زينا زي هالناس وييجيلك واحد بدحش حاله قدامي: معلش معلش يا خوي معي بس غرضين خليني أحاسب قبلك! بالله عليك شفت زي هيك وقاحة؟
- آه وشو عملت؟
- كان نفسي أرقعه كف أجيب أجله، بس أكتفيت بإني أصرخ وأسب وما خليتله ليبعد من قدامي وهو الثاني ما وفّرني بس بالآخر رجع صف بآخر الدّور. بس ما كانت هاي هي المأساة الحقيقية !
- كمان؟
- كنت صافف سيارتي في موقف بالأجرة برّا المؤسسة وبس جيت أحاسب العامل قال بده ربع ليرة زيادة على الأجرة.. بسأله ليش؟.. حكالي غلاء محروقات.. أي شو دخل المحروقات بالإصطفاف؟ هي السيارة بتصرف وهي واقفة؟ بالله عليك أهبل هاظ ولا بستهبل؟
- هههههههه، لا هيك ولا هيك، بس حب يتشاطر عليك شوي، وأكيد راح يحط الربع بجيبته.
- يتشاطر على مين؟ أنا رميتله الأجرة بوجهه زي ما هي وظليت طالع من المكان.
- طوّل بالك يا زلمة، ما هي الدنيا هيك. لازم تصبر على هالبشر وتطنّش. وعلى رأي المثل " حطّ بالخرج حطّ ".
- أي الله يعينه هالخرج شو بده يتحمّل ليتحمّل؟ أي والله لو كان شوال لكان انفزر!
لا وهاي لسه أحداث مبارح لسه كان لازم يكون في للنكد تكميله اليوم !
- خير؟ كمان؟
- آخ بس آخ.. أنا مستأجر للولاد باص ميكرو ليوصلهم للمدرسه كل يوم. واليوم أول الشهر و زي ما بتعرف ظايل على دوام المدارس بس أسبوع وبخلص الفصل الدراسي، فحكيت بالمرّة بحاسب السواق مقدما عن هالأسبوع وبنخلص. وإذا بإبن الحلال مش عاجبه الحكي وبدّه أجرة شهر كامل مش أجرة لأسبوع. قال هو متفق معي على شهرية وما دخله إذا المدارس ظايللها أسبوع ولا عشرة!
- آه .. وإنشاء الله أعطيته؟
- ما يحلم أعطيه.. حكيتله روّح أنا راح أوصّل ولادي هالأسبوع.. ولسه بتحكيلي حط بالخرج ؟
- والله ما بعرف شو بدي أحكيلك؟ المعاملة مع الله.. حسبي الله ونعم الوكيل في هالناس..
- على قولتك.. هو أصلا لولا أنا مآمن إنه في رب لهالناس ومآمن بإنه فيه عدالة عند ربنا بالآخرة كان زمان رميت حالي من البلكونه... ولساتني صابر وبداري.. بداري أبوي وأخوي ومرتي ومديري وصاحب الدكانة ..
- خلص إفردها هالكشرة وهسه بعملك فنجان قهوة على كيفك مع سيجارتين وبينعدل مزاجك.