30‏/09‏/2013

أعراض جانبية


القصة بدأت من 10 أشهر لمّا وجعتني إيدي لأول مرة..
الوجع كان مستمر وبيزيد مع أي مجهود، فقررت أزور الأخصائي، الأخصائي كان رأيه إنه التهاب أعصاب من كثر ما بكبـّس عالكمبيوتر.. المهم أعطاني إبرة بالعصب وأدوية، ودفعت بلاوي مصاري، وما حسيت بتحسن ملحوظ.. حاولت أرتاح واستخدم الإيد الثانية للكمبيوتر واتحملت الوجع لشهور، بس كنت اصحى من النوم بوجع، وساءت المسألة وصرت ما أقدر اتحكم بأي شيء أمسكه ويفلت من إيدي، فالمسألة صارت ما بينسكت عليها..

طيب رحنا على أخصائي ثاني مشهور والكل بينصح فيه.. 
حكالي التشخيص السابق مش دقيق.. إنت عندك انضغاط بفقرات الرقبة وبتضغط على العصب.. يعني بالعامية (ديسك).
طلب صورة أشعة، وثبت بالدليل الشرعي إنه عندي ديسك، وصفلي مجموعة أدوية وحكالي لازم تلبسي (القبّة) 24 ساعة، وطبعاً دفعت بلاوي مصاري.
والله بعد مرور شهر حسيت بتحسن بإيدي..
بس كمان صار عندي وجع بالمعدة!
بالأول ما اهتميت فكرته إشي بسيط تلبك ولا تسمّم، بس الوجع يوم عن يوم زاد، وصار يصحيني من النوم، فالمسألة صارت ما بينسكت عليها.. 

رحت على دكتوري لقيته مسافر، فرحت على دكتور ثالث ووصفتله الأعراض وأعطيته تقرير عن تاريخي المرضي..
حكالي إنتي عندك التهاب بالإثني عشر.. يعني بالعامية (قرحة)، وهاي من الأعراض الجانبية لأدوية الالتهاب اللي وصفها الدكتور، ارمي الدوا بالزبالة حالاً! وخدي هاد الدوا لتتعالجي من القرحة!

طيب ردّينا على الدكتور ورمينا الدوا وأخذنا الدوا الجديد، والحمدلله خلال أيام شعرت بتحسن..
بس بعد أسبوعين من أخذ الدوا بديت أحس بتعب وضيق بالنفس، كنت أحس كأنه ( روحي مفرفطة ) عارفين هاد الشعور!
كمان ما أعطيت الموضوع أهمية في البداية افترضت إنه من الشوب وتعب الشغل..
بس اليوم وأنا قاعدة على مكتبي وما ببذل أي مجهود والجو حلو صابتني حالة اختناق وما عدت قادرة اتنفس، بدي أوكسجين، وحسيت زي النار في صدري، وأول إشي خطرلي جلطة! راح أموت بجلطة!

أخدت مغادرة من الشغل واتصلت بأختي لتاخدني عالمستشفى بسرعة، والله إجت بسرعة البرق، وأنا بدا نفسي يرجع شوي شوي، حكتلي أختي خايفة ما يستقبلونا حالة طارئة بالمستشفى لأنه شكلك مش موّاته يعني، واذا بدنا ننتظرالعيادات بدنا للساعة 3 العصر وطابور والله يعلم متى نشوف الأخصائي..
أنا انهبلت.. بحكيلك أنا عندي جلطة..
حكتلي أضمن وأسرع حل نشوف أخصائي باطني، وبسرعة رحنا عالعيادة والحمدلله كانت فاضية، دخلنا على طول وفحصلي الدكتور القلب والرئتين والكلى والضغط، وطبعا حكيتله تاريخي المرضي حتى اللحظة وأسماء الأدوية..
الدكتور حكالي الضغط طبيعي، أصوات القلب والرئتين سليمة، ما في مشكلة!
بس الدوا اللي بتاخديه إله أعراض جانبية منها تهيّج الجهاز الهضمي واللي ممكن عملك حالة الإختناق، فمن رأيي توقفي الدوا حالاً وارميه بالزبالة! وخدي هاد الدوا هاد مثبّط ومهدّئ للجهاز الهضمي، وإذا اتحسنتي الحمدلله، بس إذا ما اتحسنتي هاي مجموعة فحوصات للدم والغدة الدرقية وصورة أشعة بتعمليهم وبترجعي تراجعيني! وما تنسي تمتنعي نهائياً عن المنبهات: الشاي والقهوة والكولا والشوكولاته..

نعم يا خوي؟ ما أشرب قهوة؟
طبعاً مافي داعي أحكيلكم إني دفعت مصاري بلاوي..

اشتريت الدوا الجديد، وأول إشي عملته إني فتحت النشرة، النشرة بدون مبالغة طولها نص متر، والأعراض الجانبية:
جفاف، طفح جلدي، نسيان، توتر، عدوانية، هلوسة، اضطرابات سلوكية، صعوبة الرؤية، تسارع ضربات القلب، اضطرابات التبوّل.. ما هو أنا كان ناقصني!

حالياً أنا في مواجهة مع الدوا ومو مسترجية أبلع ولا حبة، وعم بفكر أرميه بالزبالة..

وبعدين أنا كيف وصلت لهون؟
أنا مش كانت إيدي اللي بتوجعني بالأصل؟

12‏/09‏/2013

يوم عادي

إنه الصباح..
أتقلب ذات اليمين وذات الشمال.. أنهض غصباً كي لا يفوتني الوقت.. أرتدي  الثياب على عجل.. السابعة والنصف.. أغادر سيراً على الأقدام فالعمل قريب..
الشوارع تضج بأولاد المدارس.. وأبواق الحافلات.. والأمهات النّعسات.. ورائحة مقلى الفلافل.. أبوعدنان من أحجار المدينة.. موجود هنا منذ الأزل.. وأنا وكل من أعرفهم أكلنا من تلك الفلافل.. وأكلنا نصيبنا من كل الآفات المعدية.. على باب دكانه تختلط أصوات المشترين برنين النقود وقرقعة مذياعه القذر.. بالكاد أميّز الأغنية.. في يوم وليلة.. في يوم وليلة..
أصل العمل..
أول الطقوس سلام ومصافحة لا تنتهي.. الجميع أحياء أموات..
أريد فنجاناً من القهوة..
طلب لن يلبيه لي غيري.. فالعاملون هنا يكتفون بتلبية طلبات الإدارة وشرب الشاي والدخان..
جميع الفناجين متسخة.. أبدأ بالغسيل..
دلّة القهوة هي أقرب للطنجرة في الحجم فالجميع بحاجة لجرعة مضاعفة.. أستنشق رائحة القهوة.. فيتسع صدري ويبدأ مزاجي بالتحسن.. أعود لمكتبي وأنا أدندن.. في يوم وليلة.. في يوم وليلة..
تسمعني إحداهن فتسألني.. خير طربانة على هالصبح.. فيكون جوابي سمجاً كسؤالها.. (بحب).. فترد هي.. ممتاز بس إن شاء الله بفايدة ههههههه.. الإسفين الأول.. الساعة الثامنة والربع..

ليلى تنحني على مكتبها كالأرنب الجريح.. ليلى لاتنتمي لهذا المكان.. فهي من أكلة الأعشاب.. والجميع هنا من اللّواحم .. منذ وصولها قبل سبعة أشهر تعرّضت للمضغ والتمزيق والتشريح والاجترار مرّات ومرّات.. أدعوها لتشاركني فنجاناً من القهوة.. فتوافق على مضض.. المسكينة.. تظن أنني قد أفعل بها شيئاً.. إن صمدت هنا فستصمد عاماً آخر.. على الأكثر..

الآن بإمكاني أن أبدأ العمل.. الشجار الأول.. الثامنة والنصف.. تقريباً في موعده المعتاد.. تتعالى الأصوات.. الموضوع في العادة لا يستحق كل هذا الغضب.. لكنها الفرصة الوحيدة لتلقي كل ما معك من إحباط وقمع وضغط في وجه أحد ما.. أغادر المكان لأنجز ما يتوجّب علي إنجازه.. قد أغيب الساعة أو الساعتين..

أعود لأجد مكتبي مغطىً بأكياس الخضار.. لقد وصلت أم خالد.. الشخص الأهم في هذه المؤسسة.. لا تستقيم الحياة بدونها.. تلبي أي طلب.. الكوسا محفورة وجاهزة.. الملوخية مغسولة ومفرومة.. ناعمة أو خشنة.. والحق يقال.. المرأة نظيفة ومبدعة وسريعة..
مع مرور الوقت تتعالى الأصوات.. قصص ما أزل الله بها من سلطان.. أخبار سخيفة.. كلام معاد.. شكوى.. غيبة.. نفاق.. ضحكات.. نسبة الإنتاج حتى الآن لا تتجاوز الـ 20%.. يتشعب الحديث.. انتقاد لأي شيء وكل شيء.. الروتين.. الغلاء.. العلاقة الجنسية..

تحظى العلاقات الجنسية بمنزلة عالية.. وتناقش أحياناً بتفاصيل مروّعة.. تجرأت يوماً لسؤال والدتي – والأمر بحاجة لجرأة -  فيما إذا كانت العلاقات تناقش هكذا على الملأ يوم كانت هي موظفة قبل خمسة وأربعين عاماً.. فأصيبت بالجزع.. قالت.. إن المرأة كانت تخجل من إظهار حملها.. وإن استطاعت أن تخفيه حتى الولادة فذلك أفضل!

فجأة.. تسمع نداءاً.. هام وهاجل.. أيها الناس.. احتشدوا.. إنه الإفطار الجماعي.. 
يقام هذا الحدث مرتين أو ثلاث أسبوعياً.. مشبع بالألوان والروائح المغرية.. يرفض البعض الاقتراب.. يقسم عليهم الآخرون.. لقمة الشبعان سبعمية.. موضوع الحديث الآن هو الحميات الغذائية..

انتصف النهار.. لا يوجد ما أقوم به.. فعلياً أنهيت المطلوب في أول ساعتين.. الوظيفة الحكومية قاتلة.. لا مجال للمزيد أو الإبداع.. حاول. أنت إما مجنون.. أو مجنون.. إمّا أن تتعرض للاستهزاء.. لماذا تجتهد والراتب باق كما هو؟ أو تتعرض للاستغلال.. حين يصبح الجميع أغبياء وعاجزين وأنت وحدك القادر على فك كل الطلاسم..
كيف أقتل الوقت إذاً.. هاتفي الذكي.. المزيد من القهوة..

ينشغل الآخرون بأعمال السمسرة.. في العمل سماسرة من كل الأنواع.. هناك دوماً شخص ما يعرف شخصاً ما يوفر خدمة ما.. توصيلة.. بطاقة خلوي.. ملابس.. طعام.. حقنة.. استشارة مجانية.. في هذه الفترة من العام ينشط سماسرة البازلاء والفول الأخضر والبامياء.. والملابس الداخلية..

الساعة الآن الثانية إلا ربعاً.. يتململ الجميع.. يستعدون للرحيل.. دفتر التوقيعات مفقود.. المديرة تخفيه.. لن يخرج قبل الثانية.. محاولة للسيطرة أو الشعور بالأهمية..
مكالمة هاتفية متوقعة.. الحجة بتوصيني على أغراض.. أصل السوق.. السوق فاضي مليان.. يضجّ بالمارّة ولا أحد يشتري..

أصل البيت مجلّلة بالعرق والقرف والصداع..
قردان على الباب في استقبالي.. ولد وبنت.. في الرابعة والثانية.. هما ذريّة أخي.. نبتسم.. نتصافح.. يدوم الود بيننا عشر دقائق.. يلحقون بي إلى كل مكان.. يجلسون معي على ذات الكرسي.. يصلّون معي الفروض الخمس.. ينتظرونني على باب الحمّام.. عمتو طوّلتيي!! يأكلون معي من ذات الصحن.. ألف سؤال وسؤال.. نتشاجر.. أطردهم.. أدفعهم عبر الباب الذي يفصل بيننا وبينهم وأغلقه بالمفتاح.. أصرخ فيهم.. لا ترجعوا قبل المغرب..أسمع السباب على طول الدرج صعوداً.. عمتو زفت.. عمتو حمارة..
يسترجع عقلي كل الأحاديث.. يتألم بدني من كثرة اللاعمل.. تهبط علي كل الأثقال..أغفو لمدة قد تطول.. 

بين العصر والمغرب.. زمن الصفاء الروحي والتأمل.. والجلوس تحت ظل الزيتونة الوارفة هو أحلا من الدنيا وما فيها.. قد يرافقني كتاب ما.. أو قد تشغلني فكرة ما.. استمتع بهذه الوحدة.. وتداعبني نسمات المساء الباردة وتأخذني بعيداً.. ويهبط الليل.. زقزقة العصافير العائدة إلى مضاجعها تنذر باقتراب النداء.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح..
فجأة..
طرق شديد على الباب وركلات وصراخ.. أعرف هذه النبرة.. أقترب من الباب.. من أنتم؟
فيأتيني الجواب سريعاً ومفحماً.. افتحيلنا.. مش إنتي حكتيلنا المغرب؟
فالأمر محتوم إذاً.. هو صداع وإزعاج حتى ينتصف الليل!